الأولى : قوله تعالى : " لا تمدن عينيك " المعنى : قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس ، فإنه ليس منا من لم يتغن بالقرآن ، أي ليس منا من رأى أنه ليس يغني بما عنده من القرآن حتى يطمح بصره إلى زخارف الدنيا وعنده معارف المولى . يقال : إنه وافى سبع قوافل من البصرة وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد ، فيها البر والطيب والجوهر وأمتعة البحر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله ، فأنزل الله تعالى : " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " أي فهي خير لكم من القوافل السبع ، فلا تمدن أعينكم إليها . وإلى هذا صار ابن عيينة ، وأورد قوله عليه السلام : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) أي من لم يستغن به . وقد تقدم هذا المعنى في أول{[9749]} الكتاب . " أزواجا منهم " أي أمثالا في النعم ، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى ، فهم أزواج .
الثانية : هذه الآية تقتضي الزجر عن التشوف إلى متاع الدنيا على الدوام ، وإقبال العبد على عبادة مولاه . ومثله " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه{[9750]} " [ طه : 131 ] الآية . وليس كذلك ، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( حبب إلي من دنياكم{[9751]} النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ) . وكان عليه الصلاة والسلام متشاغل بالنساء ، جبلة الآدمية وتشوف الخلقة الإنسانية ، ويحافظ على الطيب ، ولا تقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى . ويرى أن مناجاته أحرى من ذلك وأولى . ولم يكن في دين محمد الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية{[9752]} كما كان في دين عيسى ، وإنما شرع الله سبحانه حنيفية سمحة خالصة عن الحرج خفيفة على الآدمي ، يأخذ من الآدمية بشهواتها ويرجع إلى الله بقلب سليم . ورأى الفراء والمخلصون من الفضلاء الانكفاف عن اللذات والخلوص لرب الأرض والسماوات اليوم أولى ؛ لما غلب على الدنيا من الحرام ، واضطر العبد في المعاش إلى مخالطة من لا تجوز مخالطته ومصانعة من تحرم مصانعته ، فكانت القراءة أفضل ، والفرار عن الدنيا أصوب للعبد وأعدل ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شَعَفَ{[9753]} الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) .
قوله تعالى : " ولا تحزن عليهم " أي ولا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا . وقيل : المعنى لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الآخرة أفضل منه . وقيل : لا تحزن عليهم إن صاروا إلى العذاب فهم أهل العذاب . " واخفض جناحك للمؤمنين " أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم . وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ ، فجعل ذلك وصفا لتقريب الإنسان أتباعه . ويقال : فلان خافض الجناح ، أي وقور ساكن . والجناحان من ابن آدم جانباه ، ومنه " واضمم يدك إلى جناحك{[9754]} " [ طه : 22 ] وجناح الطائر يده . وقال الشاعر :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.