الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (52)

قوله تعالى : " وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا " الدين : الطاعة والإخلاص . و " واصبا " معناه دائما ، قاله الفراء ، حكاه الجوهري . وصب الشيء يصب وصوبا ، أي دام . ووصب الرجل على الأمر إذا واظب عليه . والمعنى : طاعة الله واجبة أبدا . وممن قال واصبا دائما : الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك . ومنه قوله تعالى : " ولهم عذاب واصب " {[9892]} [ الصافات :9 ] أي دائم . وقال الدؤلي :

لا أبتغي الحمدَ القليلَ بقاؤه*** بدم يكون الدهرَ أجمعَ واصبًا

أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما :

ما أبتغي الحمد القليل بقاؤه*** يوما بذم الدهر أجمع واصبا

وقيل : الوصب التعب والإعياء ، أي تجب طاعة الله وإن تعب العبد فيها . ومنه قول الشاعر :

لا يمسك الساق من أينٍ ولا وَصَبٍ*** ولا يَعَضّ على شُرْسُوفِهِ الصفر{[9893]}

وقال ابن عباس : " واصبا " واجبا . الفراء والكلبي : خالصا . " أفغير الله تتقون " أي لا ينبغي أن تتقوا غير الله . " فغير " نصب ب " تتقون " .


[9892]:راجع ج 15 ص 64.
[9893]:الشعر لأعشى باهلة. والشطر الأول من بيت، والثاني من بيت آخر. والبيتان: لا يتأرّى لما في القدر يرقبه *** ولا يعض على شرسوفه الصفر لا يغمز الساق من أين ولا نصب *** ولا يزال أمام القوم يقتفر. تأرى بالمكان": أمام به. والشرسوف: غضروف – كل عظم رخص يؤكل- معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف. والصفر (بالتحريك): داء في البطن يصفر منه الوجه. وقيل: الصفر هنا الجوع. واقتفر الأثر: تتبعه.