الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

قوله تعالى : " وما بكم من نعمة فمن الله " قال الفراء : " ما " بمعنى الجزاء . والباء في " بكم " متعلقة بفعل مضمر ، تقديره : وما يكن بكم . " من نعمة " أي صحة جسم وسعة رزق وولد فمن الله . وقيل : المعنى : وما بكم من نعمة فمن الله هي . " ثم إذا مسكم الضر " أي : السقم والبلاء والقحط . " فإليه تجأرون " أي : تضجون بالدعاء . يقال : جأر يجأر جؤارا . والجؤار مثل الخوار ، يقال : جأر الثور يجأر ، أي صاح . وقرأ بعضهم " عجلا جسدا له جؤار " ، " {[9894]} ؛ حكاه الأخفش . وجأر الرجل إلى الله ، أي تضرع بالدعاء . وقال الأعشى{[9895]} يصف بقرة :

فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة *** وكان النكير أن تضيف{[9896]} وتجأرا


[9894]:راجع ج 7 ص 284 وص 8 و 235 ج 11.
[9895]:كذا في الأصول. والذي في اللسان مادة "ضيف" وكتاب سيبويه ج 2 ص 174 أنه للنابغة الجعدي.
[9896]:في الأصول: "تطيف" بالطاء. والتصويب عن اللسان وكتاب سيبويه. وتضيف: تشفق وتحذر والنكير: الإنكار. والجؤار: الصياح. والمعنى: أن هذه البقرة فقدت ولدها فطافت تطلبه ثلاث ليال وأيامها، ولا إنكار عندها ولا انتصار مما عدا على ولدها إلا أن تشفق وتحذر وتصيح.