الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا} (81)

قوله تعالى : " فأردنا أن يبدلهما ربهما " قرأ الجمهور بفتح الباء وشد الدال ، وقرأ عاصم بسكون الباء وتخفيف الدال ، أي أن يرزقهما الله ولدا . يقال : بدل وأبدل مثل مهل وأمهل ونزل وأنزل .

قوله تعالى : " خيرا منه زكاة " أي دينا وصلاحا . " وأقرب رحما " قرأ ابن عباس " رحما " بالضم ، قال الشاعر :

وكيف بظلمِ جارية *** ومنها اللينُ والرُّحُمُ

الباقون بسكونها ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :

يا منزلَ الرُّحْمِ على إدريسا *** ومنزلَ اللعنِ على إبليسا

واختلف عن أبي عمرو ، و " رحما " معطوف على " زكاة " أي رحمة ، قال : رحمه رحمة ورحما ، وألفه للتأنيث ، ومذكره رُحْم . وقيل : الرُّحم هنا بمعنى الرَّحِم ، قرأها ابن عباس " وأصل رحما " أي رحما ، وقرأ أيضا " أزكى منه " . وعن ابن جبير وابن جريج أنهما بُدلا جارية ، قال الكلبي فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله تعالى على يديه أمة من الأمم .

قتادة : ولدت اثني عشر نبيا ، وعن ابن جريج أيضا أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملا بغلام مسلم وكان المقتول كافرا . وعن ابن عباس : فولدت جارية ولدت نبيا ، وفي رواية : أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا ، وقاله جعفر بن محمد عن أبيه ، قال علماؤنا : وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل ، وهذه المرأة لم تكن فيهم .

ويستفاد من هذه الآية تهوين المصائب بفقد الأولاد وإن كانوا قطعا من الأكباد ، ومن سلم للقضاء أسفرت عاقبته عن اليد البيضاء . قال قتادة : لقد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما . فالواجب على كل امرئ الرضا بقضاء الله تعالى ، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه له فيما يحب .