اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا} (81)

قوله : { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا } : قرأ{[21282]} نافع ، وأبو عمرو بفتح الباء ، وتشديد الدال من " بدَّل " هنا ، وفي التحريم [ الآية : 5 ] { أَن يُبْدِلَهُ } وفي القلم [ الآية : 32 ] { أَن يُبْدِلَنَا } والباقون بسكون الباء ، وتخفيف الدال من " أبْدلَ " في المواضع الثلاثة ، فقيل : هما لغتان بمعنى واحد ، وقال ثعلبٌ : الإبدال تنحيةُ جوهرةٍ ، واستئناف أخرى ؛ وأنشد : [ الرجز ]

عَزْلَ الأميرِ للأمِيرِ المُبدَلِ{[21283]} *** قال : ألا تراه نحَّى جسماً ، وجعل مكانه آخر ، والتبديل : تغيير الصورة إلى غيرها ، والجوهرة باقية بعينها ؛ واحتجَّ الفراء بقوله تعالى : { يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] قال : والذي قال ثعلبٌ حسنٌ ، إلاَّ أنَّهم يجعلون " أبدلتُ " بمعنى " بدَّلتُ " قال شهاب الدين : ومن ثم ، اختلف الناس في قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض } [ إبراهيم : 48 ] : هل يتغير الجسمُ والصفة ، أو الصفة دون الجسم ؟ .

قوله : { يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً } أي : يرزقهما الله ولداً خيراً من هذا الغلام " زَكَاةً " أي : ديناً ، وصلاحاً .

وقيل : ذكر الزكاة تنبيهاً على مقابلة قول موسى - عليه السلام - " أقتَلْتَ نفساً زكيَّة بغيرِ نفسٍ " فقال العالم : أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين خيراً ، بدلاً عن ابنهما هذا ولداً يكون خيراً منه بما ذكره من الزَّكاة ، ويكون المراد من الزَّكاة الطهارة ، وكان قول موسى : " أقَتَلْتَ نَفْساً زكيَّة " ، أي : طاهرة ، لأنَّها ما وصلت إلى حدِّ البلوغ ، فكانت زاكية طاهرة من المعاصي ، فقال العالم : إن تلك النفس ، وإن كانت طاهرة زاكية في الحال ، إلاَّ أنه تعالى علمَ منها أنَّها إذا بلغتْ ، أقدمت على الطغيان ، والكفر ، فأردنا أن يحصل لهما ولدٌ عظيمٌ ، أي : أعظم زكاة وطهارة منه ، وهو الذي يعلمُ الله منه أنَّه عند البلوغ لا يقدم على شيءٍ من هذه المحظورات .

ومن قال : إنَّ ذلك الغلام كان بالغاً ، قال : المراد من وصف نفسه بكونها زاكية أنه لم يظهر عليه ما يوجب قتله .

قوله : " رُحْماً " قرأ ابن عامر{[21284]} " رُحُماً " بضمتين ، والباقون بضمة وسكون ، وهما بمعنى الرحمة ؛ قال رؤبة : [ الرجز ]

يَا مُنْزِلَ الرُّحْمِ على إدْريسَا *** ومُنْزِلَ اللَّعْنِ على إبْليسَا{[21285]}

وقيل : الرُّحُم بمعنى الرَّحم ، وهو لائِقٌ هنا من أجلِ القرابةِ بالولادة ؛ ويؤيِّده قراءة ابن{[21286]} عباس " رَحِماً " بفتح الراءِ ، وكسر الحاء ، و " زَكاةً ورُحْماً " منصوبان على التمييز .

والمعنى : هذا البدل يكون [ أقرب ]{[21287]} عطفاً ورحمة بأبويه ، وأشفق عليهما .

فصل في المبدل به

قال الكلبيُّ : أبدلهما الله جارية تزوَّجها نبيٌّ من الأنبياء ، فولدت له نبيًّا ، فهدى الله على يديه أمَّة من الأمم{[21288]} .


[21282]:ينظر: السبعة 397، والنشر 2/314، والحجة 427، والتيسير 145، والحجة للقراء السبعة 5/164، وإعراب القراءات 1/409، والكشاف 2/741، والقرطبي 11/26، والبحر 6/147، والدر المصون 4/478.
[21283]:تقدم.
[21284]:ينظر: السبعة 397، والنشر 2/16، والتيسير 145، والحجة 427، والإتحاف 2/223، والحجة للقراء السبعة 5/165، وإعراب القراءات 1/410، والقرطبي 11/26، والبحر 6/147، والدر المصون 4/478.
[21285]:ينظر: البحر المحيط 6/147، روح المعاني 16/12، والدر المصون 4/478.
[21286]:ينظر: البحر المحيط 6/147، الدر المصون 4/479.
[21287]:في أ: أعظم.
[21288]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/177).