قوله : { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا } : قرأ{[21282]} نافع ، وأبو عمرو بفتح الباء ، وتشديد الدال من " بدَّل " هنا ، وفي التحريم [ الآية : 5 ] { أَن يُبْدِلَهُ } وفي القلم [ الآية : 32 ] { أَن يُبْدِلَنَا } والباقون بسكون الباء ، وتخفيف الدال من " أبْدلَ " في المواضع الثلاثة ، فقيل : هما لغتان بمعنى واحد ، وقال ثعلبٌ : الإبدال تنحيةُ جوهرةٍ ، واستئناف أخرى ؛ وأنشد : [ الرجز ]
عَزْلَ الأميرِ للأمِيرِ المُبدَلِ{[21283]} *** قال : ألا تراه نحَّى جسماً ، وجعل مكانه آخر ، والتبديل : تغيير الصورة إلى غيرها ، والجوهرة باقية بعينها ؛ واحتجَّ الفراء بقوله تعالى : { يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] قال : والذي قال ثعلبٌ حسنٌ ، إلاَّ أنَّهم يجعلون " أبدلتُ " بمعنى " بدَّلتُ " قال شهاب الدين : ومن ثم ، اختلف الناس في قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض } [ إبراهيم : 48 ] : هل يتغير الجسمُ والصفة ، أو الصفة دون الجسم ؟ .
قوله : { يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً } أي : يرزقهما الله ولداً خيراً من هذا الغلام " زَكَاةً " أي : ديناً ، وصلاحاً .
وقيل : ذكر الزكاة تنبيهاً على مقابلة قول موسى - عليه السلام - " أقتَلْتَ نفساً زكيَّة بغيرِ نفسٍ " فقال العالم : أردنا أن يرزق الله هذين الأبوين خيراً ، بدلاً عن ابنهما هذا ولداً يكون خيراً منه بما ذكره من الزَّكاة ، ويكون المراد من الزَّكاة الطهارة ، وكان قول موسى : " أقَتَلْتَ نَفْساً زكيَّة " ، أي : طاهرة ، لأنَّها ما وصلت إلى حدِّ البلوغ ، فكانت زاكية طاهرة من المعاصي ، فقال العالم : إن تلك النفس ، وإن كانت طاهرة زاكية في الحال ، إلاَّ أنه تعالى علمَ منها أنَّها إذا بلغتْ ، أقدمت على الطغيان ، والكفر ، فأردنا أن يحصل لهما ولدٌ عظيمٌ ، أي : أعظم زكاة وطهارة منه ، وهو الذي يعلمُ الله منه أنَّه عند البلوغ لا يقدم على شيءٍ من هذه المحظورات .
ومن قال : إنَّ ذلك الغلام كان بالغاً ، قال : المراد من وصف نفسه بكونها زاكية أنه لم يظهر عليه ما يوجب قتله .
قوله : " رُحْماً " قرأ ابن عامر{[21284]} " رُحُماً " بضمتين ، والباقون بضمة وسكون ، وهما بمعنى الرحمة ؛ قال رؤبة : [ الرجز ]
يَا مُنْزِلَ الرُّحْمِ على إدْريسَا *** ومُنْزِلَ اللَّعْنِ على إبْليسَا{[21285]}
وقيل : الرُّحُم بمعنى الرَّحم ، وهو لائِقٌ هنا من أجلِ القرابةِ بالولادة ؛ ويؤيِّده قراءة ابن{[21286]} عباس " رَحِماً " بفتح الراءِ ، وكسر الحاء ، و " زَكاةً ورُحْماً " منصوبان على التمييز .
والمعنى : هذا البدل يكون [ أقرب ]{[21287]} عطفاً ورحمة بأبويه ، وأشفق عليهما .
قال الكلبيُّ : أبدلهما الله جارية تزوَّجها نبيٌّ من الأنبياء ، فولدت له نبيًّا ، فهدى الله على يديه أمَّة من الأمم{[21288]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.