روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا} (81)

{ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ } بأن يرزقهما بدله ولداً خيراً منه { زكواة } قال ابن عباس : أي ديناً وهو تفسير باللازم ؛ والكثير قالوا : أي طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة ، وفي التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليهما ما لا يخفي من الدلالة على إرادة وصول الخير إليهما { وَأَقْرَبَ رُحْماً } أي رحمة ، قال رؤبة بن العجاج :

يا منزل الرحم على إدريسا*** ومنزل اللعن على إبليسا

وهما مصدران كالكثر والكثرة ، والمراد أقرب رحمة عليهما وبراً بهما واستظهر ذلك أبو حيان ، ولعل وجهه كثرة استعمال المصدر مبنياً للفاعل مع ما في ذلك هنا من موافقة المصدر قبله ، وأخرج ابن أبي شيبة . وابن المنذر . وابن أبي حاتم عن عطية أن المعنى هما به أرحم منهما بالغلام ، ولعل المراد على هذا أنه أحب إليهما من ذلك الغلام إما لزيادة حسن خلقه أو خلقه أو الاثنين معاً ، وهذا المعنى أقرب للتأسيس من المعنى الأول على تفسير المعطوف عليه بما سمعت إلا أنه يؤيد ذلك التفسير ما أخرجه ابن المنذر . وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهما أبدلا جارية ولدت نبياً ، وقال الثعلبي : إنها أدركت يونس بن متى فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت نبياً هدى الله تعالى على يده أمة من الأمم ، وفي رواية ابن المنذر عن يوسف بن عمر أنها ولدت نبيين ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس . وجعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما أنها ولدت سبعين نبياً ، واستبعد هذا ابن عطية وقال : لا يعرف كثرة الأنبياء عليهم السلام إلا في بني إسرائيل ولم تكن هذه المرأة منهم وفيه نظر ظاهر ، ووجه التأييد أن الجارية بحسب العادة تحب أبويها وترحمهما وتعطف عليهما وتبر بهما أكثر من الغلام قيل : أبدلهما غلاما مؤمناً مثلهما ، وانتصاب المصدرين على التمييز والعامل ما قبل كل من أفعل التفضيل ، ولا يخفي ما في الإبهام أولاً ثم البيان ثانياً من اللطف ولذا لم يقل : فأردنا أن يبدلهما ربهما أزكى منه وأرحم على أن في خير زكاة من المدح ما ليس في أزكى كما يظهر بالتأمل الصادق .

وذكر أبو حيان أن أفعل ليس للتفضيل هنا لأنه لا زكاة في ذلك الغلام ولا رحمة . وتعقب بأنه كان زكياً طاهراً من الذنوب بالفعل إن كان صغيراً وبحسب الظاهر إن كان بالغاً فلذا قال موسى عليه السلام { نَفْسًا زَكِيَّةً } [ الكهف : 74 ] وهذا في مقابلته فخير من زكاة من هو زكي في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن ولو سلم فالاشتراك التقديري يكفي في صحة التفضيل وأن قوله : ولا رحمة قول بلا دليل انتهى .

وقال الخفاجي : إن الجواب الصحيح هنا أن يكتفي بالاشتراك التقديري لأن الخضر عليه السلام كان عالماً بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة فقوله : إنه لا دليل عليه لا وجه له ، وأنت تعلم أن الرحمة على التفسير الثاني مما لا يصح نفيها لأنها مدار الخشية فافهم ، والظاهر أن الفاء للتفريع فيفيد سببية الخشية للإرادة المذكورة ويفهم من تفريع القتل ، ولم يفرعه نفسه مع أنه المقصود تأويله اعتماداً على ظهور انفهامه من هذه الجملة على ألطف وجه ، وفيها إشارة إلى رد ما يلوح به كلام موسى عليه السلام من أن قتله ظلم وفساد في الأرض .

وقرأ نافع . وأبو عمرو . وأبو جعفر . وشيبة . وحميد . والأعمش . وابن جرير { يُبْدِلَهُمَا } بالتشديد .

وقرأ ابن عامر . وأبو جعفر في رواية . ويعقوب . وأبو حاتم { رُحْماً } بضم الحاء ، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { رُحْماً } بفتح الراء وكسر الحاء .