{ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ } بأن يرزقهما بدله ولداً خيراً منه { زكواة } قال ابن عباس : أي ديناً وهو تفسير باللازم ؛ والكثير قالوا : أي طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة ، وفي التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليهما ما لا يخفي من الدلالة على إرادة وصول الخير إليهما { وَأَقْرَبَ رُحْماً } أي رحمة ، قال رؤبة بن العجاج :
يا منزل الرحم على إدريسا*** ومنزل اللعن على إبليسا
وهما مصدران كالكثر والكثرة ، والمراد أقرب رحمة عليهما وبراً بهما واستظهر ذلك أبو حيان ، ولعل وجهه كثرة استعمال المصدر مبنياً للفاعل مع ما في ذلك هنا من موافقة المصدر قبله ، وأخرج ابن أبي شيبة . وابن المنذر . وابن أبي حاتم عن عطية أن المعنى هما به أرحم منهما بالغلام ، ولعل المراد على هذا أنه أحب إليهما من ذلك الغلام إما لزيادة حسن خلقه أو خلقه أو الاثنين معاً ، وهذا المعنى أقرب للتأسيس من المعنى الأول على تفسير المعطوف عليه بما سمعت إلا أنه يؤيد ذلك التفسير ما أخرجه ابن المنذر . وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهما أبدلا جارية ولدت نبياً ، وقال الثعلبي : إنها أدركت يونس بن متى فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت نبياً هدى الله تعالى على يده أمة من الأمم ، وفي رواية ابن المنذر عن يوسف بن عمر أنها ولدت نبيين ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس . وجعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما أنها ولدت سبعين نبياً ، واستبعد هذا ابن عطية وقال : لا يعرف كثرة الأنبياء عليهم السلام إلا في بني إسرائيل ولم تكن هذه المرأة منهم وفيه نظر ظاهر ، ووجه التأييد أن الجارية بحسب العادة تحب أبويها وترحمهما وتعطف عليهما وتبر بهما أكثر من الغلام قيل : أبدلهما غلاما مؤمناً مثلهما ، وانتصاب المصدرين على التمييز والعامل ما قبل كل من أفعل التفضيل ، ولا يخفي ما في الإبهام أولاً ثم البيان ثانياً من اللطف ولذا لم يقل : فأردنا أن يبدلهما ربهما أزكى منه وأرحم على أن في خير زكاة من المدح ما ليس في أزكى كما يظهر بالتأمل الصادق .
وذكر أبو حيان أن أفعل ليس للتفضيل هنا لأنه لا زكاة في ذلك الغلام ولا رحمة . وتعقب بأنه كان زكياً طاهراً من الذنوب بالفعل إن كان صغيراً وبحسب الظاهر إن كان بالغاً فلذا قال موسى عليه السلام { نَفْسًا زَكِيَّةً } [ الكهف : 74 ] وهذا في مقابلته فخير من زكاة من هو زكي في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن ولو سلم فالاشتراك التقديري يكفي في صحة التفضيل وأن قوله : ولا رحمة قول بلا دليل انتهى .
وقال الخفاجي : إن الجواب الصحيح هنا أن يكتفي بالاشتراك التقديري لأن الخضر عليه السلام كان عالماً بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة فقوله : إنه لا دليل عليه لا وجه له ، وأنت تعلم أن الرحمة على التفسير الثاني مما لا يصح نفيها لأنها مدار الخشية فافهم ، والظاهر أن الفاء للتفريع فيفيد سببية الخشية للإرادة المذكورة ويفهم من تفريع القتل ، ولم يفرعه نفسه مع أنه المقصود تأويله اعتماداً على ظهور انفهامه من هذه الجملة على ألطف وجه ، وفيها إشارة إلى رد ما يلوح به كلام موسى عليه السلام من أن قتله ظلم وفساد في الأرض .
وقرأ نافع . وأبو عمرو . وأبو جعفر . وشيبة . وحميد . والأعمش . وابن جرير { يُبْدِلَهُمَا } بالتشديد .
وقرأ ابن عامر . وأبو جعفر في رواية . ويعقوب . وأبو حاتم { رُحْماً } بضم الحاء ، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { رُحْماً } بفتح الراء وكسر الحاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.