الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا} (81)

قوله : { أَن يُبْدِلَهُمَا } : قرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال مِنْ " بَدَّلَ " هنا ، وفي التحريم { أَن يُبْدِلَهُ } وفي القلم { أَنْ يُبْدِلَنا } والباقون بسكونِ الباءِ وتخفيفِ الدالِ مِنْ " أَبْدَلَ " في المواضعِ الثلاثة . فقيل : هما لغتان بمعنىً واحد . وقال ثعلب : الإِبدالُ تَنْحِيَةُ جوهرَةٍ ، واستئنافُ أخرى . وأنشد :

عَزْلَ الأميرِ للأميرِ المُبْدَلِ ***

قال : ألا تراه نَحَّى جسماً ، وجعل مكانَه آخرَ . والتبديلُ : تغييرُ الصورةِ إلى غيرِها ، والجوهرةُ باقيةٌ بعينِها . واحتجَّ الفراء بقولِه تعالى : { يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] قال : " والذي قال ثعلبٌ حسنٌ ، إلا أنَّهم يجعلون اَبْدَلْتُ بمعنى بَدَّلْتُ " . قلت : ومِنْ ثَمَّ اختلف الناسُ في قولِه تعالى :

{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ } [ إبراهيم : 48 ] : هل يتغير الجسمُ والصفةُ ، أو الصفةُ دونَ الجسمِ ؟

قوله : " رُحْماً " قرأ ابن عامر " رُحُماً " بضمتين . والباقون بضمةٍ وسكونٍ وهما بمعنى الرحمة . قال رؤبة :

يا مُنْزِلَ الرُّحْمِ على إدْريسا *** ومُنْزِلَ اللَّعْنِ على إِبْليسا

وقيل : الرُّحْم بمعنى الرَّحِم . وهو لائقٌ هنا مِنْ أجلِ القَرابةِ بالولادة . ويؤيِّده قراءةُ ابنِ عباس " رَحِماً " بفتحِ الراءِ وكسرِ الحاءِ . و " زكاة ورُحْماً " منصوبان على التمييز .