الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةٗ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضٗا وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَۚ فَبُعۡدٗا لِّقَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (44)

ومعنى " تترى " تتواتر ، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا . قال الأصمعي : واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا ، إلا أن بين كل كل واحد وبين الآخر مهلة . وقال غيره : المواترة التتابع بغير مهلة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " تترًى " بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء ، كقولك : حمدا وشكرا ، فالوقف على هذا على الألف المعوضة من التنوين . ويجوز أن يكون ملحقا بجعفر ، فيكون مثل : أرطى وعلقى ، كما قال :

يَسْتَنُّ في عَلْقىً وفي مُكُورِ

فإذا وقف على هذا الوجه جازت الإمالة ، على أن ينوي الوقف على الألف الملحقة . وقرأ ورش بين اللفظتين ، مثل سكرى وغضبى ، وهو اسم جمع ، مثل شتى وأسرى . وأصله وترى من المواترة والتواتر ، فقلبت الواو تاء ، مثل التقوى والتكلان وتجاه ونحوها . وقيل : هو[ من ]{[11666]} الوتر وهو الفرد ، فالمعنى أرسلناهم فردا فردا . النحاس : وعلى هذا يجوز " تترا " بكسر التاء الأولى ، وموضعها نصب على المصدر ؛ لأن معنى " ثم أرسلنا " واترنا . ويجوز أن يكون في موضع الحال ؛ أي : متواترين . " فأتبعنا بعضهم بعضا " أي بالهلاك . " وجعلناهم أحاديث " جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به ، كأعاجيب جمع أعجوبة ، وهي ما يتعجب منه . قال الأخفش : إنما يقال هذا في الشر " جعلناهم أحاديث " ولا يقال في الخير ، كما يقال : صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا ، كما قال في آية أخرى : " فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق " {[11667]} [ سبأ : 19 ] .

قلت : وقد يقال فلان حديث حسن ، إذا كان مقيدا بذكر ذلك ، ومنه قول ابن دريد :

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وَعَى


[11666]:من ب و ط و ك.
[11667]:راجع ج 14 ص 290.