الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (192)

العاشرة : قوله تعالى : " ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته " أي أذللته وأهنته . وقال المفضل أي أهلكته ، وأنشد :

أخزى الإلهُ من الصليب عبيدَه *** واللاَّبِسِينَ قلانِسَ الرهبان

وقيل : فضحته وأبعدته ، يقال : أخزاه الله : أبعده ومقته . والاسم الخزي . قال ابن السكيت : خزي يخزي خزيا إذا وقع في بلية . وقد تمسك بهذه الآية أصحاب الوعيد وقالوا : من أدخل النار ينبغي إلا يكون مؤمنا ؛ لقوله تعالى : " فقد أخزيته " فإن الله يقول : " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " {[3810]} [ التحريم : 8 ] . وما قالوه مردود ؛ لقيام الأدلة على أن من ارتكب كبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان ، كما تقدم ويأتي . والمراد من قوله : " من تدخل النار " من تخلد في النار ، قاله أنس بن مالك . وقال قتادة : تدخل مقلوب تخلد ، ولا نقول كما قال أهل حروراء . وقال سعيد بن المسيب : الآية خاصة في قوم لا يخرجون من النار ؛ ولهذا قال : " وما للظالمين من أنصار " أي الكفار . وقال أهل المعاني : الخزي يحتمل أن يكون بمعنى الحياء ، يقال : خزي يخزى إذا استحيا ، فهو خزيان . قال ذو الرمة :

خِزَايَةٌ أدركته عند جَوْلَتِهِ *** من جانب الحَبْلِ مخلوطاً بها الغضب

فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم في دخول النار من سائر أهل الأديان إلى أن يخرجوا منها . والخزي للكافرين هو إهلاكهم فيها من غير موت ، والمؤمنون يموتون ، فافترقوا . كذا ثبت في صحيح السنة من حديث أبي سعيد الخدري ، أخرجه مسلم ، وقد تقدم ويأتي .


[3810]:- راجع جـ18 ص 197.