إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (192)

{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } مبالغةٌ في استدعاء الوقايةِ وبيانٌ لسببه . وتصديرُ الجملةِ بالنداء للمبالغةِ في التضرع والجُؤار ، وتأكيدُها لإظهار كمالِ اليقينِ بمضمونها والإيذانِ بشدة الخوفِ ، وإظهارُ النارِ في موضع الإضمارِ لتهويلِ أمرِها ، وذكرُ الإدخالِ في مورد العذابِ لتعيين كيفيتِه وتبيينِ غاية فظاعتِه . قال الواحدي : للإخزاء معانٍ متقاربةٌ يقال : أخزاه الله أي أبعده ، وقيل : أهانه ، وقيل : أهلكه ، وقيل : فضحه . قال ابن الأنباري : الخزيُ لغةً الهلاكُ بتلف أو بانقطاع حجةٍ أو بوقوع في بلاء ، والمعنى فقد أخزيته خِزياً لا غايةَ وراءَه كقولهم : من أدرك مَرْعى الصمّانِ فقد أدرك ، أي المرعى الذي لا مرعى بعدَه ، وفيه من الإشعار بفظاعة العذابِ الروحاني ما لا يخفي . وقولُه تعالى : { وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ } تذييلٌ لإظهار نهايةِ فظاعةِ حالِهم ببيان خلودِ عذابِهم بفُقدان من ينصُرهم ويقوم بتخليصهم ، وغرضُهم تأكيدُ الاستدعاءِ ووضعُ الظالمين موضعَ ضميرِ المُدخَلين لذمهم والإشعارِ بتعليل دخولِهم النارَ بظلمهم ووضعِهم الأشياء في غير مواضعِها ، وجمعُ الأنصارِ بالنظر إلى جمع الظالمين أي ما لظالم من الظالمين نصيرٌ من الأنصار ، والمرادُ به من ينصُر بالمدافعة والقهر فليس في الآية دِلالةٌ على نفي الشفاعةِ ، على أن المرادَ بالظالمين هم الكفارُ .