الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ} (193)

الحادية عشرة : قوله تعالى : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " أي محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن مسعود وابن عباس وأكثر المفسرين . وقال قتادة ومحمد بن كعب القرظي : هو القرآن ، وليس كلهم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم . دليل هذا القول ما أخبر الله تعالى عن مؤمني الجن إذ قالوا : " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد " {[3811]} [ الجن : 1 - 2 ] . وأجاب الأولون فقالوا : من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا صحيح معنى . وأن{[3812]} من " آمنوا " في موضع نصب على حذف حرف الخفض ، أي بأن أمنوا . وفي الكلام تقديم وتأخير ، أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي ؛ عن أبي عبيدة . وقيل : اللام بمعنى إلى ، أي إلى الإيمان ، كقوله : " ثم يعودون لما نهوا عنه " {[3813]} [ المجادلة : 8 ] . وقوله : " بأن ربك أوحى لها " {[3814]} [ الزلزلة : 5 ] وقوله : " الحمد لله الذي هدانا لهذا " {[3815]} [ الأعراف : 43 ] أي إلى هذا ، ومثله كثير . وقيل : هي لام أجل ، أي لأجل الإيمان .

الثانية عشرة : قوله تعالى : " ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا " تأكيد ومبالغة في الدعاء . ومعنى اللفظين واحد ، فإن الغفر والكفر : الستر . " وتوفنا مع الأبرار " أي أبرارا مع الأنبياء ، أي في جملتهم . واحدهم وبر وبار وأصله من الاتساع ، فكأن البر متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمة الله .


[3811]:- راجع جـ19 ص 6.
[3812]:- من هـ و جـ وط.
[3813]:- راجع جـ17 ص 290.
[3814]:- راجع جـ20 ص 149.
[3815]:- راجع جـ 7 ص 208.