البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (192)

{ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } هذه استجارة واستعادة .

أي : فلا تفعل بنا ذلك ، ولا تجعلنا ممن يعمل بعملها .

ومعنى أخزيته : ففضحته .

من خزى الرجل يخزى خزياً ، إذا افتضح .

وخزاية إذا استحيا الفعل واحد واختلف في المصدر فمن الافتضاح خزي ، ومن الاستحياء خزاية .

ومن ذلك { ولا تخزون في ضيفي } أي لا تفضحون .

وقيل : المعنى أهنته .

وقال المفضل : أهلكته .

ويقال : خزيته وأخزيته ثلاثياً ورباعياً ، والرباعي أكثر وأفصح .

وقال الزجاج : المخزي في اللغة هو المذل المحقور بأمر قد لزمه ، يقال : أخزيته ألزمته حجة أذللته معها .

وقال أنس وسعيد ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن جريج ، وغيرهم : هي إشارة إلى من يخلد في النار ، أما من يخرج منها بالشفاعة والإيمان فليس بمخزي .

وقال جابر بن عبد الله وغيره : كل من دخل النار فهو مخزى وإن خرج منها ، وإنّ في دون ذلك لخزياً ، واختاره ابن جريج وأبو سليمان الدمشقي .

{ وما للظالمين من أنصار } هو من قول الداعين .

وقال ابن عباس : الظالمون هنا هم الكافرون ، وهو قول جمهور المفسرين .

وقد صرح به في قوله : { والكافرون هم الظالمون } وقوله : { إن الشرك لظلم عظيم } ويناسب هذا التفسير أن يكون ما قبله فيمن يخلد في النار ، لأن نفي الناصر إما بمنع أو شفاعة مختص بالكفار ، وأما المؤمن فالله ناصره والرسول صلى الله عليه وسلم شافعه ، وبعض المؤمنين يشفع لبعض كما ورد في الحديث .

وقال الزمخشري : وما للظالمين اللام إشارة إلى من يدخل النار ، وإعلام بأن من يدخل النار ، فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها انتهى .

وهو على طريقة الاعتزال أنَّ من يدخل النار لا يخرج منها أبداً ، سواء كان كافراً أم فاسقاً ، ومن مفعوله لفعل الشرط .

وحكى بعض المعربين ما نصه ، وأجاز قوم أن يكون من منصوباً بفعل دل عليه جواب الشرط وهو : فقد أخزيته .

وأجاز آخرون أن يكون من مبتدأ ، والشرط وجوابه الخير انتهى .

أما القول الأول فصادر عن جاهل بعلم النحو ، وأما الثاني فإعراب من مبتدأ في غاية الضعف .

وأما إدخاله جواب الشرط في الخبر مع فعل الشرط فجهالة .

ومن أعظم وزراً ممن تكلم في كتاب الله بغير علم .

/خ200