الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (192)

قوله تعالى : { مَن تُدْخِلِ } : " مَنْ " شرطيةٌ مفعولٌ مقدَّم واجبُ التقديمِ لأنَّ له صدرَ الكلام ، و " تُدْخِل " مجزوم بها . و { فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } جوابُها . وحكى أبو البقاء عن بعضهم قولين غريبين . أحدهما : أن تكونَ " مَنْ " منصوبةً بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره قوله : " فقد أَخْزَيْتَه ، وهذا غَلَطٌ ؛ لأنَّ مِنْ شرطِ الاشتغالِ صحةَ تسلُّط ما يُفَسِّر على ما هو منصوب ، والجواب لا يعمل فيما قبل فعل الشرط ؛ لأنه لا يتقدَّم على الشرط . الثاني : أن " مَنْ " مبتدأ ، والشرطُ وجوابُه خبر هذا المبتدأ ، وهذان الوجهان غَلَطٌ . والله أعلم . وعلى الأقوالِ كلِّها فهذه الجملةُ الشرطيةُ في محلِّ رفعٍ خبراً ل " إنَّ " .

ويُقال : خَزَيْتُه وأَخْزَيْتُه ثلاثياً ورباعياً ، والأكثرُ الرباعي ، وخَزِيَ الرجلُ يَخْزَى خِزْياً إذا افتضح ، وخَزاية إذا استحيا فالفعلُ واحد ، وإنما يتميز بالمصدر كما تقدم .

قوله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } " مِنْ " زائدة لوجود الشرطين ، وفي مجرورها وجهان ، أحدهما : أنه مبتدأ وخبرُه الجارِّ قبله ، وتقديمُه هنا جائزٌ لا واجبٌ لأنَّ النَّفْيَ مُسَوِّغ ، وحَسَّنَ تقديمَه كونُ مبتدئِه فاصلةً . الثاني : أنه فاعلٌ بالجارِّ قبله لاعتمادِه على النفي ، وهذا جائزٌ عند الجميع .