الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ} (192)

{ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أهنته .

وقال المفضل : أهلكته ، وأنشد :

أخزى الإله من الصليب عبيده *** واللابسين قلانس الرهبان

وقيل : فضحته ، نظيره قوله :

{ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } [ هود : 78 ] . واتخذ القائلون بالوعيد هذه الآية جُنّة ، فقالوا : قد أخبر الله سبحانه أنه لا يخزي النبي والذين آمنوا معه ثم قال : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } فوجب أن كل من دخل النار فليس بمؤمن وأنه لا يخرج منها .

واختلف أهل التأويل في هذه الآية :

فروى قتادة عن أنس في قوله تعالى : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } قال : إنك من تخلد في النار .

وروى الثوري عن رجل عن ابن المسيب في قوله : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } فقال : هذه خاصة لمن لا يخرج منها .

وروى أبو هلال الرّاجي عن قتادة في قوله : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } إنك من تخلد في النار ، ولا نقول كما قال أهل حروراء ، حدثنا بذلك أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج قوم من النار " .

وقال بعضهم : ( إنك من تدخل النار ) من خلد فيها ومن لم يخلد فقد أخزيته بالعذاب والهلاك والهوان . قال عمرو بن دينار : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة ، فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت له : ( ربّنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) ، قال : وما إخزاؤه حين أحرقه بالنار إن دون ذلك لخزياً .

وقال أهل المعاني : الخزي يحتمل الحياء ، يقال : خزيٌ يخزي ، خزاية إذا استحيا .

قال ذو الرمّة :

خزاية أدركته عند جوليه *** من جانب الحبل مخلوطاً بها الغضب

وقال القطامي في الثور والكلاب :

حرجاً وكر كرور صاحب نجدة *** خزي الحرائر أن يكون جباناً

أي يستحي ، فخزي المؤمنين الحياء ، وخزي الكافرين الذل والخلود في النار .

{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *