قوله تعالى : " ص " قراءة العامة " ص " بجزم الدال على الوقف ؛ لأنه حرف من حروف الهجاء مثل : " الم " و " المر " . وقرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم " صاد " بكسر الدال بغير تنوين . ولقراءته مذهبان : أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض ، ومنه " فأنت له تصدى " [ عبس : 6 ] أي تعرض . والمصاداة المعارضة ، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية . فالمعنى صاد القرآن بعملك ، أي عارضه بعملك وقابله به ، فاعمل بأوامره ، وانته عن نواهيه . النحاس : وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة . وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته . والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين . وقرأ عيسى بن عمر " صاد " بفتح الدال مثله : " قاف " و " نون " بفتح آخرها . وله في ذلك ثلاثة مذاهب : أحدهن أن يكون بمعنى أتل . والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين واختار الفتح للإتباع ولأنه أخف الحركات . والثالث أن يكون منصوبا على القسم بغير حرف ، كقولك : الله لأفعلن ، وقيل : نصب على الإغراء . وقيل : معناه صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به . وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا " صاد " بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم ، وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله . ويجوز أن يكون مشبها بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها . وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع : " صاد " و " قاف " و " نون " بضم آخرهن ؛ لأنه المعروف بالبناء في غالب الحال ، نحو منذ وقط وقبل وبعد . و " ص " إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف ، كما أنك إدا سميت مؤنثا بمذكر لا ينصرف وإن قلت حروفه . وقال ابن عباس وجابر بن عبد الله وقد سئلا عن " ص " فقالا : لا ندري ما هي . وقال عكرمة : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن " ص " فقال : " ص " كان بحرا بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار . وقال سعيد بن جبير : " ص " بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين . وقال الضحاك : معناه صدق الله . وعنه أن " ص " قسم أقسم الله به وهو من أسمائه تعالى . وقاله السدي ، وروي عن ابن عباس . وقال محمد بن كعب : هو مفتاح أسماء الله تعالى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد . وقال قتادة : هو اسم من أسماء الرحمن . وعنه أنه اسم من أسماء القرآن . وقال مجاهد : هو فاتحة السورة . وقيل : هو مما استأثر الله تعالى بعلمه وهو معنى القول الأول . وقد تقدم جميع هذا في " البقرة " {[13307]} .
قوله تعالى : " والقرآن " خفض بواو القسم والواو بدل من الباء ، أقسم بالقرآن تنبيها على جلالة قدره ، فإن فيه بيان كل شيء ، وشفاء لما في الصدور ، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم . " ذي الذكر " خفض على النعت وعلامة خفضه الياء ، وهو اسم معتل والأصل فيه ذَوَى على فَعَل . قال ابن عباس ومقاتل : معنى " ذي الذكر " ذي البيان . الضحاك : ذي الشرف أي من آمن به كان شرفا له في الدارين ، كما قال تعالى : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم " [ الأنبياء : 10 ] أي شرفكم . وأيضا القرآن شريف في نفسه لإعجازه واشتماله على ما لا يشتمل عليه غيره . وقيل : " ذي الذكر " أي فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين . وقيل : " ذي الذكر " أي فيه ذكر أسماء الله وتمجيده . وقيل : أي ذي الموعظة والذكر . وجواب القسم محذوف . واختلف فيه على أوجه : فقيل جواب القسم " ص " ؛ لأن معناه حق ، فهي جواب لقوله : " والقرآن " كما تقول : حقا والله ، نزل والله ، وجب والله ، فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله : " والقرآن ذي الذكر " حسنا ، وعلى " في عزة وشقاق " تماما . قاله ابن الأنباري . وحكى معناه الثعلبي عن الفراء . وقيل : الجواب " بل الذين كفروا في عزة وشقاق " لأن " بل " نفي لأمر سبق وإثبات لغيره ، قاله القتبي . فكأنه قال : " والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق " عن قبول الحق وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم . أو " والقرآن ذي الذكر " ما الأمر كما يقولون من أنك ساحر كذاب ؛ لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة بل هم في تكبر عن قبول الحق . وهو كقوله : " ق والقرآن المجيد . بل عجبوا " [ ق : 2 ] . وقيل : الجواب " وكم أهلكنا " [ ق : 36 ] كأنه قال : والقرآن لكم أهلكنا ، فلما تأخرت " كم " حذفت اللام منها ، كقوله تعالى : " والشمس وضحاها " [ الشمس : 1 ] ثم قال : " قد أفلح " [ الشمس : 9 ] أي لقد أفلح . قال المهدوي : وهذا مذهب الفراء . ابن الأنباري : فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله : " في عزة وشقاق " . وقال الأخفش : جواب القسم " إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب " ونحوٌ منه قوله تعالى : " تالله إن كنا لفي ضلال مبين " [ الشعراء : 97 ] وقوله : " والسماء والطارق " إلى قوله " إن كل نفس " [ الطارق : 1 - 4 ] . ابن الأنباري : وهذا قبيح ؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص . وقال الكسائي : جواب القسم قوله : " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " [ ص :64 ] . ابن الأنباري : وهذا أقبح من الأول ؛ لأن الكلام أشد طولا فيما بين القسم وجوابه . وقيل الجواب قوله : " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " [ ص : 54 ] . وقال قتادة : الجواب محذوف تقديره " والقرآن ذي الذكر " لتبعثن ونحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.