لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } .

قيل : { لِمَن كَانَ لهُ قَلْبٌ } : أي من كان له عقل . وقيل : قلب حاضر . ويقال قلبٌ على الإحسان مُقْبِل . ويقال : قَلْبٌ غيرُ قُلَّب .

{ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ } : استمع إلى ما يَنادى به ظاهرُه من الخَلْق وإلى ما يعود إلى سِرِّه من الحق . ويقال : لمن كان له قلبٌ صاح لم يَسْكر من الغفلة . ويقال قلبٌ يعد أنفاسَه مع الله . ويقال : قلبٌ حيٌّ بنور الموافقة . ويقال : قلبٌ غيرُ مُعْرِضٍ عن الاعتبار والاستبصار .

ويقال : " القلبُ - كما في الخبر- بين إصبعين من أصابع الرحمان " : أي بين نعمتين ؛ وهما ما يدفعه عنه من البلاء ، وما ينفعه به من النَّعماء ، فكلُّ قلب مَنَعَ الحقُّ عنه الأوصافَ الذميمَةَ وأَلْزَمَه النعوتَ الحميدةَ فهو الذي قال فيه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } .

وفي الخبر : " إن لله أوانيَ ألاَ وهي القلوب ، وأقربها من الله مارقَّ وصفا " . شبَّه القلوب بالأواني ؛ فقلبُ الكافرِ منكوسٌ لا يدخل فيه شيء ، وقلبُ المنافقِ إناء مكسور ، ما يُلْقى فيه من أوَّله يخرج من أسفله ، وقلبُ المؤمنِ إناءٌ صحيح غير منكوس يدخل فيه الإيمانُ ويَبْقَى .

ولكنَّ هذه القلوبَ مختلفةٌ ؛ فقلبٌ مُلَطَّخٌ بالانفعالات وفنون الآفات ؛ فالشرابُ الذي يُلْقَى فيه يصحبه أثر ، ويتلطخ به .

وقلبٌ صفا من الكدورات وهو أعلاها قَدْراً .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي الإهلاك أو ما ذكر في السورة { لِذِكْرِى } لتذكرة وعظة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي قلب واع يدرك الحقائق فإن الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم ، وفي «الكشف » { لّمَن كَانَ } الخ تمثيل { أَوْ أَلْقَى السمع } أي أصغي إلى ما يتلى عليه من الوحي { وَهُوَ شَهِيدٌ } أي حاضر على أنه من الشهود بمعنى الحضور ، والمراد به المتفطن لأن غير المتفطن منزلة منزلة الغائب فهو إما استعارة أو مجاز مرسل والأول أولى ، وجوز أن يكون من الشهادة وصفاً للمؤمن للأنه شاهد على صحة المنزل وكونه وحياً من الله تعالى فيبعثه على حسن الإصغاء أو وصفاً له من قوله تعالى : { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس } [ البقرة : 143 ] كأنه قيل : وهو من جملة الشهداء أي المؤمنين من هذه الأمة فهو كناية على الوجهين ، وجوز على الأول منهما أن لا يكون كناية على أن المراد وهو شاهد شهادة عن إيقان لا كشهادة أهل الكتاب .

وعن قتادة المعنى لمن سمع القرآن من أهل الكتاب وهو شاهد على صدقه لما يجده في كتابه من نعته ، والأنسب بالمساق والأملأ بالفائدة الأخذ من الشهود ، والوجه جعل { وَهُوَ شَهِيدٌ } حالاً من ضمير الملقى لا عطفاً على { ألقى } كما لا يخفى على من له قلب أو القى السمع وهو شهيد ، والمراد أن فيما فعل بسوالف الأمم أو في المذكور إماماً من الآيات لذكرى لاحدى طائفتين من له قب يفقه عن الله عز وجل ومن له سمع مصغ مع ذهن حاضر أي لمن له استعداد القبول عن الفقيه إن لم يكن فقيهاً في نفسه ، و { أَوْ } لمنع الخلو من حيث أنه يجوز أن يكون الشخص فقيهاً ومستعداً للقبول من الفقيه ، وذكر بعضهم أنها لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع أو إلى فقيه ومتعلم أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمل فيما عنده وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته وأزال الموانع بأسرها فتأمل .

وقرأ السلمي . وطلحة . والسدي . وأبو البرهسم { أَوْ أَلْقَى } مبنياً للمفعول { السمع } بالرفع على النيابة عن الفاعل ؛ والفاعل المحذوف اما المعبر عنه بالموصول أولاً ، وعلى الثاني معناه لمن ألقى غيهر السمع وفتح أذنه ولم يحضر ذهنه ، وأما هو فقد ألقى وهو شاهد متفطن محضر ذهنه ، فالوصف أعني الشهود معتمد الكلام ، وإنما أخرج في الآية بهذه العبارة للمبالغة في تفظنه وحضوره ، وعلى الأول معناه لمن ألقى سمعه وهو خحاضر متفطن ، ثم لو قدر موصول آخر بعد { أَوْ } فذو القلب والملقى غير أن شخصاً ولو لم يقدر جاز أن يكونا شخصين وأن يكونا شخصاً باعتبار حالين حال تفطنه بنفسه وحال إلقائه السمع عن حضور إلى متفطن بنفسه لأن { مِنْ } عام يتناول كل واحد واحد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

قوله : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } يعني فيما ذكرناه في هذه الآيات من عظيم الأخبار والمواعظ ، وألوان الترهيب والتحذير ، لتذكرة وعبرة لكل ذي عقل يتفكر به ويتدبر { أو ألقى السمع وهو شهيد } أي استمع القرآن وهو حاضر القلب والذهن . فما في هذه السورة وغيرها من القرآن من صور التخويف والتحذير والترشيد ، وألوان الزجر والتنبيه إنما ينتفع به ويتعظ منه الذين يستمعون القرآن في تدبر وادراكا واستبصار . أما الذين يسمعونه وقلوبهم لاهية عنه إلى التفكر في أمور الدنيا ومشاغلها ومشكلاتها ، فأنى لهم أن ينتفعوا بالقرآن أو يتعظوا به أو يزدجروا .