نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

ولما ذكرنا هنا من المواعظ ما أرقص{[61240]} الجماد ، فكيف بمن يدعي أنه من رؤوس النقاد ، أنتج قوله مؤكداً لأجل إنكار الجاحد وعناد المعاند : { إن في ذلك } أي الأمر-{[61241]} البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره { لذكرى } أي تذكيراً عظيماً جداً . ولما كان المتذكر بمصارع المهلكين تارة-{[61242]} بأن يكون حاضراً فيرى مصارعهم حال الإيقاع بهم أو يرى آثارهم بعد ذلك ، وتارة يخبر عنها ، قال بادئاً بالرائي{[61243]} لأنه أجدر بالتذكير : { لمن كان } أي كوناً عظيماً { له قلب } هو في غاية العظمة والنورانية إن رأى شيئاً من ذلك فهو بحيث يفهم ما يراه ويعتز به ، ومن-{[61244]} لم يكن كذلك فلا قلب له لأن قلبه لما كان غير نافع كان عدماً .

ولما {[61245]}كان قد{[61246]} بدأ بالناظر لأنه أولى بالاعتبار وأقرب إلى الادكار ، ثنى بمن نقلت إليه الأخبار فقال : { أو ألقى } أي إلقاء عظيماً بغاية إصغائه حتى كأنه يرمي بشيء ثقيل من علو إلى سفل { السمع } أي الكامل الذي قد جرده عن الشواغل من الحظوظ وغيرها إذا سمع ما غاب عنه { وهو } أي و-{[61247]} الحال أنه في حال إلقائه { شهيد * } أي حاضر بكليته ، فهو في غاية ما يكون من تصويب الفكر وجمع الخاطر ، فلا يغيب عنه شيء مما تلي عليه وألقي إليه ، فيتذكر بما ذكرناه به عن قدرتنا من الجزئيات ما أنتجه من القدرة على كل شيء ، ورأى مجد القرآن فعلم أنه كلام الله فسمعه منه فصدق الرسول ، وقبل كل ما يخبر به ، ومن سمع شيئاً ولم يحضر له ذهنه فهو غائب ، فالأول العالم بالقوة{[61248]} وهو المجبول على الاستعداد الكامل فهو بحيث لا يحتاج إلى غير التدبر{[61249]} لما عنده من الكمال المهيأ بفهم ما يذكر به القرآن ، والثاني القاصر بما عنده من كثافة الطبع فهو بحيث يحتاج إلى التعليم فيتذكر بشرط أن يقبل{[61250]} بكليته ، ويزيل الموانع كلها ، فلذلك حسن جداً موقع " أو " المقسمة وعلم منه عظيم شرف القرآن في أنه مبشر للكامل والناقص ، ليس منه مانع غير الإعراض .


[61240]:من مد، وفي الأصل: افرض.
[61241]:زيد من مد.
[61242]:زيد من مد.
[61243]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[61244]:زيد من مد.
[61245]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[61246]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[61247]:زيد من مد.
[61248]:من مد، وفي الأصل: بالقدرة.
[61249]:من مد، وفي الأصل: التدبير.
[61250]:من مد، وفي الأصل: لا يقبل.