الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

وقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ } يعني : إهلاك مَنْ مضى { لِذِكْرِى } أي : تذكرة ، والقلبُ عبارة عن العقل ؛ إذْ هو مَحِلُّهُ ، والمعنى : لمن كان له قلب واعٍ ينتفعُ به ، وقال الشبليُّ : معناه : قلب حاضر مع اللَّه ، لا يغفلُ عنه طرفةَ عين .

وقوله تعالى : { أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } معناه : صَرَفَ سَمْعَهُ إلى هذه الأنباء الواعظة ، وأثبته في سماعها { وَهُوَ شَهِيدٌ } قال بعض المتأولين : معناه : وهو مشاهِد مُقْبَلٌ على الأمر ، غيرُ مُعْرِضٍ ولا مُفَكِّرٍ في غير ما يسمع .

( ت ) : ولفظ البخاريِّ { أَوْ أَلْقَى السمع } أي : لا يحدث نفسَه بغيره { شَهِيدٌ } أي : شاهد بالقلب ، انتهى . قال المُحَاسِبيُّ في «رعايته » : وقد أَحْبَبْتُ أَنْ أَحُضَّكَ على حُسْنِ الاستماع ؛ لتدركَ به الفهمَ عن اللَّه عز وجل في كُلِّ ما دعاك إليه ؛ فإنَّه تعالى أخبرنا في كتابه أَنَّ مَنِ استمع كما يُحِبُّ اللَّهُ تعالى وَيَرْضَى ، كان له فيما يستمع إِليه ذِكْرَى ، يعني : اتعاظاً ، وإذا سَمَّى اللَّه عز وجل لأحد من خلقه شَيْئاً فهو له كما سَمَّى ، وهو واصل إليه كما أخبر ؛ قال عز وجل : { إِنَّ فِي ذلك لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } قال مجاهد : شاهد القلب ، لا يُحَدِّثُ نفسَه بشيء ليس بغائب القلب ، فَمَنِ استمع إلى كتاب اللَّه عز وجل ، أو إلى حكمة ، أو إلى علم ، أو إلى عِظَةٍ ، لا يُحَدَّثُ نفسَه بشيء غيرِ ما يستمع إليه ، قَدْ أشهد قَلْبَهُ ما استمع إليه ، يريدُ اللَّهَ عز وجل به : كان له فيه ذكرى ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى قال ذلك ، فهو كما قال عز وجل ، انتهى كلام المحاسبيِّ ، وهو دُرٌّ نفيس ، فَحَصِّلْهُ ، واعملْ به تَرْشُدْ ، وقد وجدناه ، كما قال ، وباللَّه التوفيق