تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } يحتمل وجوها :

أحدها : { إن في ذلك لذكرى } أي عِظة { لمن كان له قلب } .

والثاني : [ إن ]{[19822]} ما ذكر من إهلاك الأمم الخالية وذهاب آثارهم بتكذيبهم الرسل لَذكرى لمن ذكر .

والثالث : إن{[19823]} في ما ذكرنا{[19824]} من استواء المُحسِن والمُفسِد في هذه [ الدنيا ]{[19825]} والصالح والطالح { لذكرى لمن له قلب } أن هنالك دارا يُميَّز فيها بينهما .

وقوله تعالى : { لمن كان له قلب } ينتفع به في التأمّل والنظر ، وإنما كنّى بالقلب عن العقل ، لأن الناس اختلفوا [ قال بعضهم : ]{[19826]} إن القلب محلّ العقل ، وقال بعضهم : محلُّه الرأس ، لكن نوره{[19827]} يصل إلى القلب ، فيُبصر القلب الأشياء الغائبة بواسطة العقل ، فلذلك كنّى بالقلب عن العقل لمجاورةٍ بينهما ، وهو شائع في اللغة .

وقوله تعالى : { أو ألقى السمع وهو شهيد } أي يستمع ، وهو شاهد سمعه وقلبه .

وأصله أن القلب جُعل للوعي والحفظ بعد الإدراك والإصابة .

ثم أصل ما يقع به العلم والفهم شيئان :

[ أحدهما ]{[19828]} : التأمّل والنظر في المحسوس .

والثاني : أن يُلقى إليه الخبر ، وهو يستمع له ؛ فكأنه يقول ، والله أعلم : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } يطلب الرشد والصّواب ، وينظُر ، ويعي ، ويحفظ .

[ ويحتمل ]{[19829]} : { أو ألقى السمع } أي يستمع لما{[19830]} أُلقي عليه ، وهو شاهد السمع والقلب ، فتكن الذكرى لمن اختصّ بهذين أو انتفع به هذان الصنفان بالتأمّل ، فيرى بالعقل محاسن الأشياء ومساوئها ، أو يستمع حقيقة ذلك بالسمع ، فيتذكّر ، والله أعلم .


[19822]:ساقطة من الأصل وم.
[19823]:في الأصل وم: أي.
[19824]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: ذكروا.
[19825]:من م، ساقطة من الأصل.
[19826]:في الأصل: قالوا، في م: بعضهم قالوا.
[19827]:الهاء ساقطة من الأصل.
[19828]:ساقطة من الأصل وم.
[19829]:ساقطة من الأصل وم.
[19830]:في الأصل وم: بما.