اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى } ذلك إشارة إلى الإهلاك ، أو إلى إزلاف الجنة . و«الذّكرى » مصدر أي تَذْكِرةٌ وعظةٌ { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } .

قال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) {[52563]} - : أي عَقْل . قال الفراء : هذا جائز في العربية تقول : مَا لَكَ قَلْبٌ وَلاَ قَلْبُكَ{[52564]} مَعَكَ ، أي عَقْلُك مَعَكَ .

وقيل : له قلب حاضر مع الله{[52565]} . وقيل : قلبٌ واع ؛ وذلك لأن من لا يتذكر كأنَّه لا قلب له ، ومنه قوله تعالى : { أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] أي هم كالجماد ، وقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } [ المنافقون : 4 ] أي لهم صُوَر ، وليس لهم قلب ، ولا لسانٌ للشُّكْر{[52566]} .

قوله : { أَوْ أَلْقَى السمع } العامة على «أَلْقَى » مبنياً للفاعل ، وطَلْحَةُ والسُّلَمِيُّ والسُّدِّيُّ وأبو البرهسم{[52567]} : أُلْقِيَ مبنياً للمفعول «السَّمْعُ » رفع به{[52568]} . وذكرت هذه القراءة لِعَاصِمٍ عن السّدّيّ فمقته وقال : أليس يقول : يُلْقُونَ السَّمْعَ{[52569]} وإلقاء السمع كناية عن الاستماع ، لأن الذي لا يسمع كأنه حفظ سمعه فأمسكه{[52570]} والمعنى اسْتَمَع الْقُرْآنَ واستمع ما يقال له ، لا يحدث نفسه بغيره ، تقول العرب : أَلْقِ إلَيَّ سَمْعَكَ ، أي استمعْ{[52571]} ، أو يكون معناه : لمن كان له قلبٌ فقصد الاستماع ، أو أَلْقَى السمع بأن أرْسَلَه وإن لم يقصد السماع{[52572]} .

«وَهُو شَهِيدٌ » حاضر الذِّهن .

ويحتمل أن يقال : الإشارة بذلك إلى القرآن في أول السورة أي في القرآن الذي سبق ذكره ذكرى لمِن كَان لَهُ قلب ، أو لمن استمع ويكون معنى «وهو شهيد » أي المنذر الذي تَعَجَّبْتُم منه وهو شهيد عليكم كقوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً }{[52573]} [ الأحزاب : 45 ] .


[52563]:زيادة من (أ).
[52564]:قال وهذا جائز في العربية أن ثقول: ما لك قلب، وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذلك. انظر معاني الفراء 3/80.
[52565]:نقله البغوي في معالم التنزيل 6/239.
[52566]:وقد ذكر هذين الرأيين الأخيرين الإمام الفخر في تفسيره الكبير 28/83.
[52567]:سبق التعريف بكل وهذه الأعلام.
[52568]:على النائب عن الفاعل. وقد ذكر هذه القراءة أبو حيان في البحر 8/129 وأبو الفتح في المحتسب2/285 وابن خالويه في المختصر 144، والزمخشري في الكشاف 4/11.
[52569]:البحر المحيط 8/129.
[52570]:قاله الرازي 28/182.
[52571]:قاله البغوي في معالم التنزيل 6/239.
[52572]:الرازي المرجع السابق.
[52573]:انظر المرجع السابق.