قوله جل ذكره : { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } .
{ لَطِيفُ } أي عالم بدقائق الأمور وغوامضها . واللطيف هو المُلْطِف المحسن . . وكلاهما في وصفه صحيح . واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة ، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليومَ هو لُطْفٌ منه به .
وأكثرُ ما يستعمل اللطف- في وصفه- في الإحسان بالأمور الدينية .
ويقال : خَاطَبَ العابدين بقوله : { لَطيفٌ بِعِبَادِهِ } : أي يعلم غوامضَ أحوالهم . من دقيق الرياء والتصنُّع لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم وأعمالهم . وخاطَبَ العُصاةَ بقوله : " لطيف " : لئلا ييأسوا من إحسانه .
ويقال : خاطَبَ الأغنياءَ بقوله : " لطيف " : ليعلموا أنه يعلم دقائقَ معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل ، وخاطَبَ الفقراءَ . بقوله : " لطيف " أي أنه مُحْسِنٌ يرزق من يشاء .
ويقال : سماعُ قوله : " اللَّهُ " يوجِبَ الهيبةَ والفزع ، وسماعُ " لطيفٌ " يوجِبُ السكونَ والطمأنينة . فسماعُ قوله : " اللَّهُ " أوجب لهم تهويلاً ، وسماع قوله : " لطيفٌ " أوجب لهم تأميلاً .
ويقال : اللطيفُ مَنْ يعطي قَدْرَ الكفاية وفوق ما يحتاج العبدُ إليه .
ويقال : مَنْ لُطفِه بالعبد عِلْمُه بأنه لطيف ، ولولا لُطفُه لَمَا عَرَفَ أنه لطيف .
ويقال : مِنْ لُطْفِه أنه أعطاه فوق الكفاية ، وكَلَّفَه دون الطاقة .
ويقال : مِنْ لُطفِه بالعبد إبهام عاقبته عليه ؛ لأنه لو علم سعادتَه لاتَّكَلَ عليه ، وأَقَلَّ عملَه ولو عَلِمَ شقاوتَه لأيِسَ ولَتَرَكَ عَمَله . . فأراده أن يستكثرَ في الوقت من الطاعة .
ويقال : من لطفه بالعبد إخفاءُ أَجِلِه عنه ؛ لئلا يستوحش إن كان قد دنا أَجَلُه .
ويقال : من لطفه بالعبد أنه يُنْسِيَه ما عمله في الدنيا من الزلّة ؛ لئلا يتنغَّص عليه العَيْشُ في الجنة .
ويقال : اللطيفُ مَنْ نَوَّر الأسرارَ ، وحفظ على عبده ما أَوْدَعَ قلبَه من الأسرار ، وغفر له ما عمل من ذنوبٍ في الإعلان والإسرار .
{ الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } برد بليغ البر بهم يفيض جل شأنه على جميعهم من صنوفه ما لا يبلغه الأفهام ويؤذن بذلك مادة اللطف وصيغة المبالغة فيها وتنكيرها الدال على المبالغة بحسب الكمية والكيفية ، قال حجة الإسلام عليه الرحمة : إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها ولطف ثم يسلك في إيطالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تم معنى اللطيف ولا يتصور كمال ذلك إلا في الله تعالى شأنه ، فصنوف البر من المبالغة في الكم ، وكونها لا تبلغها الأفهام من المادة والمبالغة في الكيفية لأنه إذا دق جداً كان أخفي وأخفي ، وإرادة الجميع من إضافة العباد وهو جمع إلى ضميره تعالى فيفيد الشمول والاستغراق ، وبالعموم قال مقاتل إلا أنه قال : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعاً .
وقال أبو حيان : لطيف بعباده أي بر بعباده المؤمنين ومن سبق له الخلود في الجنة وما يرى من النعم على الكافر فليس بلطف إنما هو إملاء إلا ما آل إلى رحمة ووفاة على الإسلام ، وحكى الطيبي هذا التخصيص عن الواحدي ومال إلى ترجيحه وذلك أنه ادعى أن الإضافة في { عِبَادِهِ } إضافة تشريف إذ أكثر استعمال التنزيل الجليل في مقل ذلك فيختص العباد بأوليائه تعالى المؤمنين ، وحمل اللطف على منح الهداية وتوفيق الطاعة وعلى الكمالات الأخروية والكرامات السنية ، وحمل الرزق في قوله تعالى : { يَرْزُقُ مَن يَشَاء } عليه أيضاً وقال : إن استعماله فيما ذكر كاستعماله في قوله تعالى : { لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ النور : 38 ] .
وجعل قوله سبحانه : { وَهُوَ القوى العزيز } مؤذناً بالتعليل كأنه قيل : إنما تلطف جل شأنه في حق عباده المؤمنين دون من غضب عليهم بمحض مشيئته سبحانه لأنه تعالى قوي قادر على أن يختص برحمته وكرامه من يشاء من عباده عزيز غالب لا يمنعه سبحانه عما يريده أحد ، وادعى أنه يكون وزان الآية على هذا مع قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخرة نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ } .
ومما قاله أرباب الإشارات في بعض الآيات : { الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [ الشورى : 19 ] يشير إلى عموم لطفه تعالى وهو أنواع لا تحصى ومراتب لا تستقصى .
وروى السلمي عن سيد الطائفة قدس سره اللطيف من نور قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذا ويخرج من الدنيا بالإيمان ويحرسك من نار لظى ويمكنك حتى تنظر وترى هذا لطف اللطيف بالعبد الضعيف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.