لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

قوله جل ذكره : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } .

اختلف الناسُ في هذه الفتنة ؛ ومنها أنه كانت له مائة امرأة فقال : " لأَطوفَنَّ على هؤلاء فيولد من كل واحدةٍ منهن غلام يقاتل في سبيل الله " ولم يَقُلْ إن شاء الله ، ولم تَحْمِلْ إلا امرأةٌ واحدةٌ جاءت بشق مولود ، فألقته على كرسيِّه ، فاستغفر ربه من تَرْك الاستنشاء ، وكان ذلك ترك ما هو الأَوْلَى .

وقيل كان له ابن ، وخافت الشياطين أن يبقى بعد موت أبيه فيرثه ، فَهَمُّوا بقَتْلِه ، فاستودعه الريح في الهواء لئلا تصل إليه الشياطين ، فمات الولد ، وألقته الريح على كرسيه ميتاً . فالفتنة كانت في خوفه من الشياطين وتسليمه إلى الهواء ، وكان الأوْلَى به التوكل وتَرْكَ الاستعانة بالريح .

وقيل في التفاسير : إنه تزوج بامرأة كانت زوجة مَلِكٍ قهره سليمان ، وسَبَاها ، فقالت له : إن أَذِنْتُ لي أَنْ اتَّخِذَ تمثالاً على صورةٍ لأبي لأتسلَّى بنظري إليه ؟ فأَذِنَ لها ، فكانت ( تعظمه وتسجد له مع جواريها أربعين يوماً ) ، وكانت تعبده سِرّاً ، فعوقب عليه .

وقيل كان سبب بلائه أن امرأة كانت مِنْ أَحَبِّ نسائه إليه ، وكان إذا أراد دخول الخلاء نَزَعَ خاتمه ودَفَعَه إليها ، وهي على باب الخلاء ، فإذا خَرَجَ استردَّه . وجاء يوماً شيطانٌ يُقَال له " صخر " على صورة سليمان وقال لامرأته : ادفعي إليَّ الخاتم فدفعته ، ولبسه ، وقعد على كرسيه ، يُمَشِّي أمورَه -إلا التصرفَ في نسائه- فقد منعه اللَّهُ عن ذلك . فلمَّا خرج سليمانُ طَالَبَ المرأة بالخاتم ، فقالت : الساعةَ دَفَعْتُه إليك . فظَنَّ أنه فُتِنَ ، وكان إذا أخبر الناسَ أنه سليمان لا يُصَدِّقُونه ، فخرج ( هارباً إلى ساحل البحر ) ، وأصابته شدائد ، وحمل سَمَكَ الصيادين بأجرةٍ حتى يجدَ قُوتاً .

ولما اتهم ( بنو إسرائيل ) الشيطانَ ( واستنكروا حُكْمَه ) نشروا التوراة بين يديه ففرَّ ورمى بالخاتم في البحر ، وطار في الهواء . ولمَّا أَذِنَ اللَّهُ رَدَّ مُلْكَ سليمان إليه ، ابتلعت سمكةٌ خاتمه ، ووقعت في حبال الصيادين ، ودفعوها إلى سليمان في أجرته ، فلمَّا شقَّ بَطْنَهَا ورأى خاتَمه لبسه ، وسَجَدَ له الملاحون ، وعاد إلى سرير مُلْكَه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } : فَتَنَ الله سليمان عليه السلام ؛ إذ ابتلاه أو اختبره . أما حقيقة هذا الابتلاء : فقد ذكر فيه أقوال كثيرة لا نطمئن إلى جُلِّها لاختلاطها بالإسرائيليات من الأخبار . ومن جملة ذلك : أن سليمان عليه السلام تزوج امرأة من بنات الملوك فعبدت في داره صنما وهو لا يعلم ، فامتحن بسبب غفلته عن عبادتها الصنم . وقيل : ابتلاه الله بشيطان جلس على كرسيه أربعين يوما . وكان لسليمان عليه الصلاة والسلام مائة امرأة وقيل : كانت له ثلاثمائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة وهي آثَرُ نسائه عنده . وكان إذا أتى حاجة نزع خاتمه ولم يأمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاه يوما خاتما ودخل الخلاء ، فخرج الشيطان في صورته . فقال : هاتي الخاتم فأعطاه فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه ، فقالت : ألم تأخذه قبل ؟ قال : لا وخرج كأنه تائه . ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا لهن : إنا قد أنكرنا هذا ، فإن كان سليمان قد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه ، ثم أقبلوا يمشون فأحدقوا به ثم نشروا يقرأون التوراة فطار من بين أيديهم حتى وقع على شُرفة والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم في البحر ، فقام سليمان إلى شاطئ البحر فوجد الخاتم في بطن حوت فأخذه فلبسه فردّ الله عليه مُلكه وسلطانه . وقيل غير ذلك مما هو نظير لما ذكرنا . وكله في الغالب – من الإسرائيليات التي لا يُركن إليها .

قوله : { ثُمَّ أَنَابَ } أي رجع إلى الله تائبا .