لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

قوله جلّ ذكره : { أَلاََّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى } .

الناسُ في سَعْيِهم مختلِفون ؛ فَمَنْ كان سعيُهُ في طلب الدنيا خَسِرت صفقتُه ، ومن كان سعيُهُ في طَلَبِ الجنة ربحت صفقته ، ومن كان سعيُهُ في رياضة نَفْسِه وصل إلى رضوان الله ، ومَنْ كان سعيُه في الإرادة شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَه ثم هداه إلى نَفْسِه .

وأمَّا المُذْنِبُ - فإِذا كان سعيُهُ في طلب غفرانه ، ونَدَمِ القلبِ على ما اسودَّ من ديوانه ، فسوف يجد من الله الثوابَ والقربة والكرامة والزلفة .

ومَنْ كان سَعْيُه في عَدِّ أنفاسِه مع الله ؛ لا يُعَرِّج على تقصير ، ولا يُفَرِّط في مأمور فسيرى جزاءَ سَعْيهِ مشكوراً في الدنيا والآخرة ، ثم يشكره بأَنْ يُخاطِبَه في ذلك المعنى بإِسماعهِ كلامَه من غير واسطة : عبدي ، سَعْيُك مشكور ، عبدي ، ذَنْبُكَ مغفور .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

قوله : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما فعله هو لنفسه . وقد استدل الإمام الشافعي ( رحمه الله ) من هذه الآية أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأن ذلك ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ( رضي الله عنهم ) ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه . والقربات إنما يقتصر فيها على النصوص ولا يستند فيها على الآراء الأقيسة . أما الدعاء والصدقة فقد أجمعوا على وصولهما إلى الموتى وقد نص الشارع على ذلك . أما ما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، أوصدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " . فهذه الثلاثة إنما هي من سعي الإنسان ومن كده وعلمه وقد جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه " وإن ولده من كسبه ، والصدقة الجارية هي أثر من آثاره ، وكذلك العلم الذي نشره وعمل الناس بمقتضاه ، هو أيضا من سعيه وعلمه .