لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

قوله جلّ ذكره : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّليْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .

المعنى إمَّا : كانوا قليلاً وكانوا لا ينامون إلا بالليل كقوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] أو : كان نومُهم بالليل قليلاً ، أو : كانوا لا ينامون بالليل قليلاً .

{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونُ } : أخبر عنهم أنهم - مع تهجدهم ودُعائهم - يُنْزِلون أنفسَهِم في الأسخار منزلةَ العاصين ، فيستغفرون استصغاراً لِقدْرِهم ، واستحقاراً لِفِعْلهم .

والليلُ . . . للأحباب في أُنْس المناجاة ، وللعصاة في طلب النجاة . والسهرُ لهم في لياليهم دائماً ؛ إمّا لفَرْظِ أَسَفٍ أو لِشدَّةِ لَهَفٍ ، وإمَّا لاشتياقٍ أو لفراقٍ - كما قالوا :

كم ليلةٍ فيك لا صباحَ لها *** أفنْيَتُهَا قابضاً على كبدي

قد غُصَّت العينُ بالدموعِ وقد *** وَضَعْتُ خدي على بنان يدي

وإما لكمال أُنْسٍ وطيب روح - كما قالوا :

سقى اللَّهُ عيشاً قصيراً مضى *** زمانَ الهوى في الصبا والمجون

لياليه تحكي انسدادَ لحاظٍ *** لَعْينِيَ عند ارتداد الجفون

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

قوله تعالى : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } والهجوع النوم بالليل دون النهار ، و " ما " صلة ، والمعنى : كانوا يهجعون قليلاً من الليل ، أي يصلون أكثر الليل . وقيل : معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلاً ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس ، يعني : كانوا أقل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئاً ، إما من أولها أو من أوسطها . قال أخنس ابن مالك : كانوا يصلون ما بين المغرب إلى العشاء . وقال محمد بن علي : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة . قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : كل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها . قال مجاهد : كانوا لا ينامون كل الليل . ووقف بعضهم على قوله : { قليلاً } أي : كانوا من الناس قليلاً ، ثم ابتدأ : { من الليل ما يهجعون } وجعله جحداً أي : لا ينامون بالليل البتة ، بل يقومون للصلاة والعبادة ، وهو قول الضحاك ومقاتل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ} (17)

قوله : { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } يهجعون ، ينامون . من الهجوع وهو النوم ليلا . والتهجاع والهجعة يعني النومة الخفيفة في الليل . وقليلا ، منصوب ، لأنه صفة لمصدر محذوف . وتقديره : كانوا يهجعون هجوعا قليلا .

وما ، زائدة . وقيل : مصدرية أو موصولة . أي كانوا قليلا من الليل في هجوعهم . أو ما يهجعون فيه . وقيل : ما ، نافية . أي كانوا ينامون قليلا من الليل . أو كانوا قليلا من الليل لا يهجعون{[4330]} . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) في ذلك : لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئا .


[4330]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 390.