قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .
" بسم الله " كلمة من وقفه الله لعرفانها لم يصبر عن ذكرها بلسانه ثم لا يفتر حتى يصل إلى المسمى بها بجنانه : في البداية بتأمل برهانه لمعرفة سلطانه ، ثم لا يزال يزيده في إحسانه حتى ينتهي في شأنه بالتحقق مما هو كعيانه .
قوله جل ذكره : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .
مَنْ أراد أنْ يصفوَ له تسبيحُه فَلْيَصَفِّ قلبَه من آثار نَفْسِه ، ومَنْ أراد أن يَصْفُوَ له في الجنَّةِ عَيشُه فَلْيُصَفِّ من أوضارِ ذَنْبِهِ نَفْسَه .
سورة الصف مدنية وآياتها أربع عشرة ، نزلت بعد سورة التغابن ، وهي من السور المدنية التي تضمنت بعض الأحكام التشريعية ، وتهذيب الأخلاق . فبعد أن بدأت بالإخبار بأن كل ما في السموات والأرض يسبحون الله ، أشارت إلى أنه لا يليق بالمؤمنين أن يخالف قولهم عملهم ، فالله يطلب منا أن تطابق أفعالنا أقوالنا ، ومن أكبر الجرائم عند الله أن يقول الإنسان شيئا مخالفا لفعله .
ثم بعد أن أمرنا بالصدق في القول والعمل ، أمرنا أن نكون صفا واحدا في قتال العدو . ومقتضى ذلك أننا نكون صفا واحدا في أمور الحياة كلها ، فلا جهاد إلا مع انتظام الأحوال وصدق الأفعال والأقوال في جميع الأمور . فإذا انتظم داخلنا وصدَقنا في جميع معاملاتنا ، وكنا يدا واحدة-يئس منا العدو وانتصرنا عليه .
ولذلك قال بعد أن حثنا على الصدق : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } .
وسميت السورة " سورة الصف " أخذا من هذه الآية .
ثم وصمت السورة بني إسرائيل بالعناد والكفر على لسان رسولين كريمين هما موسى وعيسى عليهما السلام ، إذ زاغوا عنادا ، فختم الله على قلوبهم عندما كذبوا موسى ، وجاء بعده عيسى مصدقا بالتوراة مبشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم فكذبه قومه أيضا . فليكن لك يا محمد أسوة بمن سبق من الأنبياء الذين صبروا على إيذاء قومهم وتكذيبهم . إن الله قد قضى أن من قام بالحق منصور ، ويا أيها المسلمون : إن الإيمان بالله والجهاد في سبيله هما الخلّتان اللتان تفوزون بهما في الدارين ، إذ لا فوز في الدنيا والآخرة إلا بعلم وعمل . والإيمان أفضل ما في العلم ، والجهاد أفضل ما في العمل . فلتكن فيكم الخصلتان والله يضمن لكم ثلاث خلال : غفران الذنوب ، ودخول الجنة ، والنصر المصحوب بالفتح القريب{ وبشر المؤمنين } . لماذا لا تقتدون بحواريّي عيسى إذ قالوا : { نحن أنصار الله } ، ونصرناهم على أعدائهم فأصبحوا ظاهرين عليهم . فإن أخلصتم في القول والعمل ، وصدقتم في جهادكم ونصركم لدينكم-ينصركم الله ويُظهركم على عدوكم . وقد صدق الله وعده .
قدّس اللهَ ونزّهه كلُّ شيء في هذا الكون : بعضُها بلسان الحال ، وبعضها بلسان المقال . وقد تقدم أن كل شيء في هذا الوجود يسبّح الله ، ويشهد له بالربوبية والوحدانية والقدرة وغيرها من صفات الكمال ، وهو الغالبُ على كل شيء ، الحكيم في تدبير خلقه .
وتسمى أيضا سورة الحواريين وسورة عيسى عليه السلام وهي مدنية في قول الجمهور وروي ذلك عن ابن الزبير وابن عباس والحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وقال ابن يسار : مكية وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد أيضا والمختار الأول ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله سبحانه ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) قال عبد الله فقرأها علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى ختمها وروي هذا الحديث مسلسلا يقرأها علينا وهو حديث صحيح على شرط الشيخين أخرجه الإمام أحمد والترمذي وخلق كثير حتى قال الحافظ ابن حجر : إنه أصح مسلسل يروى في الدنيا إن وقع في المسلسل تمثله في مزيد علوه وكذا ما روي في سبب النزول عن الضحاك من أنه قول شباب من المسلمين : فعلنا في الغزو كذا ولم يفعلوا وما روي عن ابن زيد من أنه قول المنافقين المؤمنين : نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وآيها أربع عشرة آية بلا خلاف ومناسبتها لما قبلها اشتمالها على الحث على الجهاد والترغيب فيه وفي ذلك من تأكيد النهي عن اتخاذ الكفار أولياء الذي تضمنه ما قبل ما فيه
{ سَبَّحَ للَّهِ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } الكلام فيه كالكلام المار في نظيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.