في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

17

وقد استجاب له ربه ، فأعطاه فوق الملك المعهود ، ملكاً خاصاً لا يتكرر :

( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب . والشياطين كل بناء وغواص . وآخرين مقرنين في الأصفاد ) .

وتسخير الريح لعبد من عباد الله بإذن الله ؛ لا يخرج في طبيعته عن تسخير الريح لإرادة الله . وهي مسخرة لإرادته تعالى ولا شك ، تجري بأمره وفق نواميسه ؛ فإذا يسر الله لعبد من عباده في فترة من الفترات أن يعبر عن إرادة الله سبحانه وأن يوافق أمره أمر الله فيها وأن تجري الريح رخاء حيث أراد فذلك أمر ليس على الله بمستبعد . ومثله يقع في صور شتى . والله سبحانه يقول في القرآن للرسول [ صلى الله عليه وسلم ]( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ) . .

فما معنى هذا ? معناه أنهم إذا لم ينتهوا فستتجه إرادتنا إلى تسليطك عليهم وإخراجهم من المدينة . وسيتم هذا بتوجيه إرادتك أنت ورغبتك إلى قتالهم وإخراجهم ؛ فتتم إرادتنا بهم عن طريقك . فهذا لون من توافق أمر الله - سبحانه - وأمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وإرادة الله وأمره هما الأصيلان . وهما يتجليان في إرادة الرسول وأمره وفق ما أراد الله . وهذا يقرب إلينا معنى تسخير الريح لأمر سليمان - عليه السلام - تسخيرها لأمره المطابق لأمر الله في توجيه هذه الرياح ، الممثل لأمر الله المعبر عنه على كل حال .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)

{ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح } إلى آخره تفريع على طلبه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ولو كان الاستغفار مقصوداً أيضاً لقيل فغفرنا له وسخرنا له الريح الخ . وأجيب بأنه يجوز أن يقال : إن المغفرة لمن استغفر لاسيما الأنبياء عليهم السلام لما كانت أمراً معلوماً بخلاف هبة ملك لمن استوهب لم يصرح بها واكتفى بدلالة ما ذكر في حيز الفاء مع ما في الآية بعد على ذلك ، وتقوى هذه الدلالة على تقدير أن يكون طلب الملك علامة على قبول استغفاره وإجابة دعائه فتأمل ، والتسخير التذليل أي فذللناها لطاعته إجابة لدعوته ، وقيل أدمنا تذليلها كما كان وقرأ الحسن . وأبو رجاء . وقتادة . وأبو جعفر { الرياح } بالجمع قيل : وهو أوفق لما شاع من أن الريح تستعمل في الشر والرياح في الخير ، وقد علمت أن ذلك ليس بمطرد ، وقوله تعالى : { تَجْرِى بِأَمْرِهِ } بيان لتسخيرها له عليه السلام أو حال أي جارية بأمره { رُخَاء } أي لينة من الرخاوة لا تحرك لشدتها . واستشكل هذا بأنه ينافي قوله تعالى : { ولسليمان الريح عَاصِفَةً } [ الأنبياء : 81 ] لوصفها ثمت بالشدة وهنا باللين .

وأجيب بأنها كانت في أصل الخلقة شديدة لكنها صارت لسليمان لينة سهلة أو أنها تشتد عند الحمل وتلين عند السير فوصفت باعتبار حالين أو أنها شديدة في نفسها فإذا أراد سليمان عليه السلام لينها لانت على ما يشير إليه قوله تعالى : { بِأَمْرِهِ } أو أنها تلين وتعصف باقتضاء الحال ، وقال ابن عباس . والحسن . والضحاك : رخاء مطيعة لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد ، فالمراد بلينها انقيادها له وهو لا ينافي عصفها ، واللين يكون بمعنى الإطاعة وكذا الصلابة تكون بمعنى العصيان { حَيْثُ أَصَابَ } أي قصد وأراد كما روي عن ابن عباس . والضحاك . وقتادة ، وحكى الزجاج عن العرب أصاب الصواب فأخطأ الجواب ، وعن رؤبة أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن هذه الكلمة فخرج إليهما فقال : أن تصيبان ؟ فقالا : هذه طلبتنا ورجعا ويقال أصاب الله تعالى بك خيراً ، وأنشد الثعلبي :

أصاب الكلام فلم يستطع *** فأخطأ الجواب لدى المعضل

وعن قتادة أن أصاب بمعنى أراد لغة هجر وقيل لغة حمير ، وجوز أن يكون أصاب من صاب يصوب بمعنى نزل ، والهمزة للتعدية أي حيث أنزل جنوده ، وحيث متعلقة بسخرنا أو بتجري .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ} (36)