في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التكوير مكية وآياتها تسع وعشرون

هذه السورة ذات مقطعين اثنين تعالج في كل مقطع منهما تقرير حقيقة ضخمة من حقائق العقيدة :

الأولى حقيقة القيامة ، وما يصاحبها من انقلاب كوني هائل كامل ، يشمل الشمس والنجوم والجبال والبحار ، والأرض والسماء ، والأنعام والوحوش ، كما يشمل بني الإنسان .

والثانية حقيقة الوحي ، وما يتعلق بها من صفة الملك الذي يحمله ، وصفة النبي الذي يتلقاه ، ثم شأن القوم المخاطبين بهذا الوحي معه ، ومع المشيئة الكبرى التى فطرتهم ونزلت لهم الوحي .

والإيقاع العام للسورة أشبه بحركة جائحة . تنطلق من عقالها . فتقلب كل شيء ، وتنثر كل شيء ؛ وتهيج الساكن وتروع الآمن ؛ وتذهب بكل مألوف وتبدل كل معهود ؛ وتهز النفس البشرية هزا عنيفا طويلا ، يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه ، وتتشبث به ، فإذا هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار . ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار ، الذي له وحده البقاء والدوام ، وعنده وحده القرار والاطمئنان . .

ومن ثم فالسورة بإيقاعها العام وحده تخلع النفس من كل ما تطمئن إليه وتركن ، لتلوذ بكنف الله ، وتأوي إلى حماه ، وتطلب عنده الأمن والطمأنينة والقرار . .

وفي السورة - مع هذا - ثروة ضخمة من المشاهد الرائعة ، سواء في هذا الكون الرائع الذي نراه ، أو في ذلك اليوم الآخر الذي ينقلب فيه الكون بكل ما نعهده فيه من أوضاع . وثروة كذلك من التعبيرات الأنيقة ! المنتقاة لتلوين المشاهد والإيقاعات . وتلتقي هذه وتلك في حيز السورة الضيق ، فتضغط على الحس وتنفذ إليه في قوة وإيحاء .

ولولا أن في التعبير ألفاظا وعبارات لم تعد مألوفة ولا واضحة للقارئ في هذا الزمان ، لآثرت ترك السورة تؤدي بإيقاعها وصورها وظلالها وحقائقها ومشاهدها ، مالا تؤديه أية ترجمة لها في لغة البشر ؛ وتصل بذاتها إلى أوتار القلوب فتهزها من الأعماق .

ولكن لا بد مما ليس منه بد . وقد بعدنا في زماننا هذا عن مألوف لغة القرآن !

1

إن تكوير الشمس قد يعني برودتها ، وانطفاء شعلتها ، وانكماش ألسنتها الملتهبة التي تمتد من جوانبها كلها الآن إلى ألوف الأميال حولها في الفضاء . كما يتبدى هذا من المراصد في وقت الكسوف . واستحالتها من الغازية المنطلقة بتأثير الحرارة الشديدة التي تبلغ 12000 درجة ، والتي تحول جميع المواد التي تتكون منها الشمس إلى غازات منطلقة ملتهبة . . استحالتها من هذه الحالة إلى حالة تجمد كقشرة الأرض ، وتكور لا ألسنة له ولا امتداد !

قد يكون هذا ، وقد يكون غيره . . أما كيف يقع والعوامل التي تسبب وقوعه فعلم ذلك عند الله .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التكوير

ويقال سورة كورت وسورة إذا الشمس كورت وهي مكية بلا خلاف وآيها تسع وعشرون آية وفي التيسير ثمان وعشرون وفيها من شرح حال يوم القيامة الذي تضمنه آخر السورة قبل ما فيها وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت أي السور الثلاث وكفي بذلك مناسبة .

{ إِذَا الشمس كُوّرَتْ } أي لفت من كورت العمامة إذا لففتها وهو مجاز عن رفعها وإزالتها من مكانها بعلاقة اللزوم فإن الثوب إذا أريد رفعه يلف لفاً ويطوى ثم يرفع ونحوه قوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِى السماء } [ الأنبياء : 104 ] ويجوز أن يراد لف ضوئها المنبسط في الآفاق المنتشر في الأقطاء إما على أن الشمس مجاز عن الضوء فإنه شائع في العرف أو على تقدير المضاف أو على التجوز في الإسناد ويراد من لفه إذهابه مجازاً بعلاقة اللزوم كما سمعت آنفاً أو رفعه وستره استعارة كما قيل وقد اعتبر تشبيه الضوء بالجواهر والأمور النفيسة التي إذا رفعت لفت في ثوب ثم تعتبر الاستعارة ويجعل التكوير بمعنى اللف قرينة ليكون هناك استعارة مكنية تخييلية وكون المراد إذهاب ضوئها مروى عن الحسن وقتادة ومجاهد وهو ظاهر ما رواه جماعة عن ابن عباس من تفسيره كورت بأظلمت والظاهر أن ذاك مع بقاء جرمها كالقمر في خسوفه وفي الآثار ما يؤيد ذلك وقيل أن ذاك عبارة عن إزالة نفس الشمس والذهاب بها للزوم العادي واستلزام زوال اللازم لزوال الملزوم ويجوز أن يكون المراد بكورت ألقيت عن فلكها وطرحت من طعنه فحوره وكوره أي ألقاه مجتمعاً على الأرض والقاؤها في جهنم مع عبدتها كما يدل عليه بعض الأخبار المرفوعة ويذهب إذ ذاك نورها كما صرح به القرطبي أو في «البحر » كما يدل عليه خبر ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عتيك وفيه أن الله تعالى يبعث ريحاً دبوراً فتنفخه أي البحر حتى يرجع ناراً وعظم جرم الشمس اليوم لا يقتضي استحالة القائها في البحر ذلك اليوم لجواز اختلاف الحال في الوقتين والله عز وجل على كل شيء قدير لكن جاء في الأخبار الصحيحة أن الشمس تدنو يوم القيامة من الرؤوس في المحشر حتى تكون قدر ميل ويلجم الناس العرق يومئذٍ ولا بحر حينئذٍ لتلقى فيه بعد فلا تغفل وعن أبي صالح كورت نكست وفي رواية عن ابن عباس تكويرها إدخالها في العرش وعن مجاهد أيضاً اضمحلت ومدار التركيب على الإدارة والجمع هذا ولم نقف لأحد من السلف على إرادة لفها حقيقة وللمتأخرين في جواز إرادته خلاف فقيل لا تجوز إرادته لأن الشمس كرية مصمتة وغاية اللف هي الإدارة وهي حاصلة فيها وقيل تجوز لأن كون الشمس كذلك مما لا يثبته أهل الشرع وعلى تسليمه يجوز أن يحدث فيها قابلية اللف بأن يصيرها سبحانه منبسطة ثم يلفها وله عز وجل في ذلك ما له من الحكم ويبعد إرادة الحقيقة فيما أرى كونها كيفما كانت من الأجرام التي لا تلف كالثياب نعم القدرة في كل وقت لا يتعاصاها شيء وارتفاع الشمس بفعل مضمر يفسره المذكور عند جمهور البصريين لاختصاص إذا الشرطية عندهم بالفعل وعلى الابتداء عند الأخفش والكوفيين لعدم الاختصاص عندهم وكون التقدير خلاف الأصل .

/خ29