في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

33

بعد ذلك يأخذ معهم في جولة أخرى تكشف عن بعض آيات الله ، وما فيها من فضل الله ورحمته ، فيما يهبهم من رزق وهدى ينزل عليهم ، فيعرفون بعضه وينكرون بعضه . ثم لا يشكرون ولا يهتدون .

( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ، وليذيقكم من رحمته ، ولتجري الفلك بأمره ، ولتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون . ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ، فانتقمنا من الذين أجرموا ، وكان حقا علينا نصر المؤمنين . الله الذي يرسل الرياح ، فتثير سحابا ، فيبسطه في السماء كيف يشاء ، ويجعله كسفا ، فترى الودق يخرج من خلاله ، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين . فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها . إن ذلك لمحيي الموتى ، وهو على كل شيء قدير . ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ) . .

إنه يجمع في هذه الآيات بين إرسال الرياح مبشرات ، وإرسال الرسل بالبينات ، ونصر المؤمنين بالرسل ، وإنزال المطر المحيي ، وإحياء الموتى وبعثهم . . وهو جمع له مغزاه . . إنها كلها من رحمة الله ، وكلها تتبع سنة الله . وبين نظام الكون ، ورسالات الرسل بالهدى ، ونصر المؤمنين ، صلة وثيقة . وكلها من آيات الله . ومن نعمته ورحمته ، وبها تتعلق حياتهم ، وهي مرتبطة كلها بنظام الكون الأصيل .

( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) . . تبشر بالمطر . وهم يعرفون الريح الممطرة بالخبرة والتجربة فيستبشرون بها . ( وليذيقكم من رحمته )بآثار هذه البشرى من الخصب والنماء . ( ولتجري الفلك بأمره )سواء بدفع الرياح لها ؛ أو بتكوين الأنهار من الأمطار فتجري السفن فيها . وهي تجري - مع هذا - بأمر الله . ووفق سنته التي فطر عليها الكون ؛ وتقديره الذي أودع كل شيء خاصيته ووظيفته ، وجعل من شأن هذا أن تخف الفلك على سطح الماء فتسير ، وأن تدفعها الرياح فتجري مع التيار وضد التيار . وكل شيء عنده بمقدار . . ( ولتبتغوا من فضله )في الرحلات التجارية ، وفي الزرع والحصاد ، وفي الأخذ والعطاء . وكله من فضل الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا . ( ولعلكم تشكرون )على نعمة الله في هذا كله . . وهذا توجيه إلى ما ينبغي أن يقابل به العباد نعمة الله الوهاب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 46 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } .

يبين الله بعضا من أدلته على وحدانيته ، وجلال شأنه وعظيم اقتداره . ومن جملة هذه الأدلة والعلامات إرساله الرياح { مُبَشِّرَاتٍ } أي تبشر بنزول الغيث والرحمة { وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } أي ينعم عليكم بالرحمة وهي الخصب والسعة . وهذه رحمة من الله يمنُّ بها الله على العباد فيعمهم الخير والبحبوحة { وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } أي تجري السفن في البحر بهبوب الرياح الدافعة لها بأمر الله .

على أن الرياح تظل سببا في حركة الوسائط النقلية جميعا سواء في الزمن الماضي ؛ إذ كانت السفائن على ظهر الماء تندفع جارية بفعل الريح الدافعة . وهي في الزمن الراهن تؤثر في كل وسائل النقل البخارية والميكانيكية والكهربية . وذلك بما يتضمنه الهواء من مختلف المركبات والعناصر ، ومن بينها العنصر الأهم وهو الأوكسجين .

فإنه العامل الأساسي في استخراج الطاقة الحرارية وبقائها . وكل ذلك بأمر الله وتقديره وكماله سلطانه .

قوله : { وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ } أي تلتمسوا الأرزاق والمعايش بالتجارات وأنتم تجوبون البحار لتصلوا البلاد والأمصار .

قوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي تشكرون الله على ما أنعم به عليكم فتفردونه بالعبادة والطاعة والإذعان .