طلب الملك تأويل رؤياه . فعجز الملأ من حاشيته ومن الكهنة عن تأويلها ، أو أحسوا أنها تشير إلى سوء لم يريدوا أن يواجهوا به الملك على طريقة رجال الحاشية في إظهار كل ما يسر الحكام وإخفاء ما يزعجهم . وصرف الحديث عنه ! فقالوا : إنها ( أضغاث أحلام ) أي أخلاط أحلام مضطربة وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل . ( وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) . . إذا كانت أضغاثا مختلطة لا تشير إلى شيء !
والآن لقد مرت بنا رؤى ثلاث : رؤيا يوسف ، ورؤيا صاحبي السجن ، ورؤيا الملك . وطلب تأويلها في كل مرة ، والاهتمام بها يعطينا صورة من جو العصر كله في مصر وخارج مصر - كما أسلفنا - وأن الهبة اللدنية التي وهبها يوسف كانت من روح العصر وجوه ، على ما نعهد في معجزات الأنبياء ، فهل كانت هذه هي معجزة يوسف ؟ ولكن هذا بحث ليس مكانه هذه الظلال . فنكمل حديث رؤيا الملك الآن !
الأحلام : جمع حُلُم بضمتين وهو ما يراه النائم في نومه . والتقدير : هذه الرؤيا أضغاث أحلام . شبهت تلك الرؤيا بالأضغاث في اختلاطها وعدم تميز ما تحتويه لمّا أشكل عليهم تأويلها .
والتعريف فيه أيضاً تعريف العهد ، أي ما نحن بتأويل أحلامك هذه بعالمين . وجمعت { أحلام } باعتبار تعدد الأشياء المرئية في ذلك الحُلم ، فهي عدة رُؤَى .
والباء في { بتأويل الأحلام } لتأكيد اتصال العامل بالمفعول ، وهي من قبيل باء الإلصاق مثل باء { وامسحوا برؤوسكم } [ سورة المائدة : 6 ] ، لأنهم نفوا التمكن من تأويل هذا الحلم . وتقديم هذا المعمول على الوصف العامل فيه كتقديم المجرور في قوله : { إن كنتم للرؤيا تعبرون } .
فلما ظهر عَوْصُ تعبير هذا الحُلم تذكر سَاقي الملك ما جرى له مع يوسف عليه السّلام فقال : { أنا أنبئكم بتأويله } .
وابتداء كلامه بضميره وجعله مسنداً إليه وخبره فعلي لقصد استجلاب تعجب الملك من أن يكون الساقي ينبىء بتأويل رؤيا عَوِصَتْ على علماء بلاط الملك ، مع إفادة تقوّي الحكم ، وهو إنباؤه إياهم بتأويلها ، لأن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق الإثبات يفيد التقوّي ، وإسناد الإنباء إليه مجاز عقلي لأنه سبب الإنباء ، ولذلك قال : { فأرْسِلُون } . وفي ذلك ما يستفز الملك إلى أن يأذن له بالذهاب إلى حيث يريد ليأتي بنبأ التأويل إذ لا يجوز لمثله أن يغادر مجلس الملك دون إذن .
وقد كان موقناً بأنه يجد يوسف عليه السّلام في السجن لأنه قال : { أنا أنبئكم بتأويله } دون تردد . ولعل سبب يقينه ببقاء يوسف عليه السّلام في السجن أنه كان سجنَ الخاصة فكان ما يحدث فيه من إطلاق أو موت يبلغ مسامع الملك وشيعته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.