في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

28

وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار . ومن هيئة البطر ، والاستكبار إلى هيئة الندم والاستغفار . فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن :

( وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ، وهي خاوية على عروشها ، ويقول : يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ) . .

وهو مشهد شاخص كامل : الثمر كله مدمر كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء . والجنة خاوية على عروشها مهشمة محطمة . وصاحبها يقلب كفيه أسفا وحزنا على ماله الضائع وجهده الذاهب . وهو نادم على إشراكه بالله ، يعترف الآن بربوبيته ووحدانيته . ومع أنه لم يصرح بكلمة الشرك ، إلا أن اعتزازه بقيمة أخرى أرضية غير قيمة الإيمان كان شركا ينكره الآن ، ويندم عليه ويستعيذ منه بعد فوات الأوان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

كان صاحبه المؤمن رجلاً صالحاً فحقق الله رجاءه ، أو كان رجلاً محدّثاً من محدّثي هذه الأمة ، أو من محدّثي الأمم الماضية على الخلاف في المعنيّ بالرجلين في الآية ، ألهمهُ الله معرفة ما قدره في الغيب من عقاب في الدنيا للرجل الكافر المتجبر .

وإنما لم تعطف جملة { وأحيط } بفاء التفريع على رجاء صاحبه المؤمن إذ لم يتعلق الغرض في هذا المقام بالإشارة إلى الرجل المؤمن ، وإنما المهم التنبيه على أن ذلك حادث حل بالكافر عقاباً له على كفره ليعلم السامعون أن ذلك جزاء أمثاله وأن ليس بخصوصية لدعوة الرجل المؤمن .

والإحاطة : الأخذ من كل جانب ، مأخوذة من إحاطة العدو بالقوم إذا غزاهم . وقد تقدمت في قوله تعالى : { إلا أن يحاط بكم } في سورة يوسف ( 66 ) وقوله : { إن ربك أحاط بالناس } في سورة الإسراء ( 60 ) .

والمعنى : أُتلف ماله كله بأن أُرسل على الجنة والزرع حُسبانٌ من السماء فأصبحت صعيداً زلقاً وهلكت أنعامه وسُلبت أمواله ، أو خسف بها بزلزال أو نحوه .

وتقدم اختلاف القراء في لفظ { ثُمر } آنفاً عند قوله تعالى : { وكان له ثمر } [ الكهف : 34 ] .

وتقليب الكفين : حركة يفعلها المتحسر ، وذلك أن يقلبهما إلى أعلى ثم إلى قبالته تحسراً على ما صرفه من المال في إحداث تلك الجنة . فهو كناية عن التحسر ، ومثله قولهم : قرَع السن من نَدم ، وقوله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } [ آل عمران : 119 ] .

والخاوية : الخالية ، أي وهي خالية من الشجر والزرع ، والعُروش : السُقُف . و ( على ) للاستعلاء . وجملة { على عروشها } في موضع الحال من ضمير { خاوية } .

وهذا التركيب أرسله القرآن مثلاً للخرَاب التام الذي هو سقوط سقوف البناء وجدرانه . وتقدم في قوله تعالى : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } في سورة البقرة ( 259 ) ، على أن الضمير مراد به جدران القرية بقرينة مقابلته بعروشها ، إذ القرية هي المنازل المركبة من جدران وسُقف ، ثم جعل ذلك مثلاً لكل هلاك تام لا تبقى معه بقية من الشيء الهالك .

وجملة { ويقول } حكاية لتندمه على ما فرط منه حين لا ينفعه الندم بعد حلول العذاب .

والمضارع للدلالة على تكرر ذلك القول منه .

وحرف النداء مستعمل في التلهف . و ( ليتني ) تمننٍ مراد به التندم . وأصل قولهم ( يا ليْتنِي ) أنه تنزيل للكلمة منزلة من يعقل ، كأنه يخاطب كلمة ( ليت ) يقول : احضُري فهذا أوانك ، ومثله قوله تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } سورة الزمر ( 56 ) .

وهذا ندم على الإشراك فيما مضى وهو يؤذن بأنه آمن بالله وحده حينئذٍ .