البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

وبلغ الله المؤمن ما ترجاه من هلاك ما بيد صاحبه الكافر وإبادته على خلاف ما ظنّ في قوله ما أظن أن تبيد هذه أبداً فأخبر تعالى أنه { أحيط بثمره } وهو عبارة عن الإهلاك وأصله من أحاط به العدّو وهو استدارته به من جوانبه ، ومتى أحاط به ملكه واستولى عليه ثم استعملت في كل إهلاك ومنه { إلاّ أن يحاط بكم } وقال ابن عطية : الإحاطة كناية عن عموم العذاب والفساد انتهى .

والظاهر أن الإحاطة كانت ليلاً لقوله { فأصبح } على أنه يحتمل أن يكون معنى { فأصبح } فصار فلا يدل على تقييد الخبر بالصباح ، وتقليب كفيه ظاهره أنه { يقلب كفيه } ظهراً لبطن وهو أنه يبدي باطن كفه ثم يعوج كفه حتى يبدو ظهرها ، وهي فعلة النادم المتحسر على شيء قد فاته ، المتأسف على فقدانه ، كما يكنى بقبض الكف والسقوط في اليد .

وقيل : يصفق بيده على الأخرى و { يقلب كفيه } ظهرا لبطن .

وقيل : يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ، ولما كان هذا الفعل كناية عن الندم عداه تعدية فعل الندم فقال { على ما أنفق فيها } كأنه قال : فأصبح نادماً على ذهاب ما أنفق في عمارة تلك الجنة { وهي خاوية على عروشها } تقدم الكلام على هذه الجملة في أواخر البقرة .

وتمنيه انتفاء الشرك الظاهر أنه صدر منه ذلك في حالة الدنيا على جهة التوبة بعد حلول المصيبة ، وفي ذلك زجر للكفرة من قريش وغيرهم لئلا يجيء لهم حال يؤمنون فيها بعد نقم تحل بهم ، قيل : أرسل الله عليها ناراً فأكلتها فتذكر موعظة أخيه ، وعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً .

وقال بعض المفسرين : هي حكاية عن قول الكافر هذه القالة في الآخرة ،