فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } قد قدّمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره ، وأصل الإحاطة من إحاطة العدوّ بالشخص كما تقدّم في قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] ، وهي عبارة عن إهلاكه وإفنائه ، وهو معطوف على مقدّر كأنه قيل : فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } أي : يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم ، كأنه قيل : فأصبح يندم { عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } أي : في عمارتها وإصلاحها من الأموال ، وقيل : المعنى يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق ، لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم : في يده مال ، وهو بعيد جداً ، وجملة { وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا } في محل نصب على الحال ، أي : والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمها التي تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض ، مأخوذ من خوت النجوم تخوي : إذا سقطت ولم تمطر في نوئها ، ومنه قوله تعالى :

{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُوا } [ النمل : 52 ] قيل : وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل ، وأيضاً إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي ، وجملة : { وَيَقُولُ يا ليتني لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَدًا } معطوفة على { يقلب كفيه } ، أو حال من ضميره ، أي : وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك ، أو كان هذا القول منه على حقيقته ، لا لما فاته من الغرض الدنيوي ، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه .

/خ44