اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

ثمَّ أخبر الله تعالى أنَّه حقَّق ما قدره هذا المؤمن ، فقال : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أي : أحاط العذاب بثمر جنته ، وهو عبارة عن إهلاكه بالكليَّة ، وأصله من إحاطة العدوِّ ؛ لأنَّه إذا أحاط به ، فقد استولى عليه ، ثمَّ استعمل في كلِّ إهلاكٍ ، ومنه قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] .

قوله : { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } : قُرئ{[21093]} " تَقلَّبُ كفَّاهُ " ، أي : تتقلَّب كفَّاه ، و " أصْبحَ " : يجوز أن تكون على بابها ، وأن تكون بمعنى " صار " وهذا كناية عن الندم ؛ لأنَّ النادم يفعل ذلك .

قوله : { عَلَى مَآ أَنْفَقَ } يجوز أن يتعلق ب " يُقلِّبُ " وإنما عدِّي ب " عَلَى " لأنه ضمِّن معنى " يَندَمُ " .

وقوله : " فيها " ، أي : في عمارتها ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل " يُقلِّبُ " أي : متحسِّراً ، كذا قدَّره أبو البقاء{[21094]} ، وهو تفسير معنى ، والتقدير الصناعي ؛ إنما هو كونٌ مطلقٌ .

قوله : " ويَقُولُ " يجوز أن يكون معطوفاً على " يُقلِّبُ " ويجوز أن يكون حالاً .

فصل في كيفية الإحاطة

قال المفسرون : إنَّ الله تعالى أرسل عليها ناراً ، فأهلكتها وغار ماؤها ، { فَأَصْبَحَ } صاحبها الكافر { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } ، أي : يصفِّق بيديه ، إحداهما على الأخرى ، ويقلِّب كفَّيه ظهراً لبطن ؛ تأسُّفاً وتلهُّفاً { عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ } ساقطة { على عُرُوشِهَا } سقوفها ، فتسقَّطت سقوفها ، ثمَّ سقطت الجدران عليها .

ويمكن أنَّ يكون المراد بالعروشِ عروش الكرم ، فتسقط العروش ، ثم تسقط الجدران عليها .

قوله : { وَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } .

والمعنى : أن المؤمن ، لمَّا قال : { لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } قال الكافر : يا ليتني قلت كذلك .

فإن قيل : هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنَّته ؛ لشؤم شركه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنَّ أنواع البلاء أكثرها إنَّما تقع للمؤمنين ، قال تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } [ الزخرف : 33 ] .

وقال صلى الله عليه وسلم : " خُصَّ البَلاءُ بالأنْبِياءِ ، ثمَّ الأوْلياءِ ، ثُمَّ الأمثلِ فالأمثَلِ " .

وأيضاً : فلما قال : { ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } فقدم ندم على الشِّرك ، ورغب في التوحيد ؛ فوجب أن يصير مؤمناً ، فلم قال بعده : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله } ؟ .

فالجواب عن الأوَّل : أنه لمَّا عظمت حسراته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا ، وكان معرضاً في عمره كلِّه عن طلب الدِّين ، فلما ضاعت الدنيا بالكليَّة ، بقي محروماً عن الدنيا والدِّين .

والجواب عن الثاني : أنَّه إنَّما نَدِمَ على الشِّرك ؛ لاعتقاده أنَّه لو كان موحِّداً غير مشركٍ ، لبقيت عليه جنَّته ، فهو إنَّما رغب في التوحيد والردَّة عن الشِّرك ؛ لأجل [ طلب ]{[21095]} الدنيا ؛ فلهذا لم يقبل الله توحيده .


[21093]:ينظر: الدر المصون 4/459.
[21094]:ينظر: الإملاء 2/103.
[21095]:سقط من ب.