سورة الشعراء مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان
موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا . . العقيدة . . ملخصة في عناصرها الأساسية : توحيد الله : ( فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ) . . والخوف من الآخرة : ( ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) . . والتصديق بالوحي المنزل على محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ؛ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) . . ثم التخويف من عاقبة التكذيب ، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين ؛ وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين : ( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ! ) . . ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .
ذلك إلى تسلية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن : ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين ؛ وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين ؛ كما ثبت من قبلهم من المؤمنين .
وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها . والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب . والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة ، تعبر عن موضوع السورة وتبرزه في أساليب متنوعة ، تلتقي عند هدف واحد . . ومن ثم تعرض من كل قصة الحلقة أو الحلقات التي تؤدي هذه الأغراض .
ويغلب على القصص كما يغلب على السورة كلها جو الإنذار والتكذيب ، والعذاب الذي يتبع التكذيب . ذلك أن السورة تواجه تكذيب مشركي قريش لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] واستهزاءهم بالنذر ، وإعراضهم عن آيات الله ، واستعجالهم بالعذاب الذي يوعدهم به ؛ مع التقول على الوحي والقرآن ؛ والادعاء بأنه سحر أو شعر تتنزل به الشياطين !
والسورة كلها شوط واحد - مقدمتها وقصصها وتعقيبها - في هذا المضمار . لذلك نقسمها إلى فقرات أو جولات بحسب ترتيبها . ونبدأ بالمقدمة قبل القصص المختار :
( طسم . تلك آيات الكتاب المبين ) . .
طا . سين . ميم . . الأحرف المقطعة للتنبيه إلى أن آيات الكتاب المبين - ومنها هذه السورة - مؤلفة من مثل هذه الأحرف ؛ وهي في متناول المكذبين بالوحي ؛ وهم لا يستطيعون أن يصوغوا منها مثل هذا الكتاب المبين . والحديث عن هذا الكتاب متداول في السورة . في مقدمتها ونهايتها . كما هو الشأن في السور المبدوءة بالأحرف المقطعة في القرآن .
اشتهرت عند السلف بسورة الشعراء لأنها تفردت من بين سور القرآن بذكر كلمة الشعراء . وكذلك جاءت تسميتها في كتب السنة . وتسمى أيضا سورة طسم .
وفي أحكام ابن العربي أنها تسمى أيضا الجامعة ، ونسبه أبن كثير والسيوطي في الإتقان إلى تفسير مالك المروي عنه{[1]} . ولم يظهر وجه وصفها بهذا الوصف . ولعلها أول سورة جمعت ذكر الرسل أصحاب الشرائع المعلومة إلى الرسالة المحمدية .
وهي مكية ، فقيل جميعها مكي ، وهو المروي عن ابن الزبير . ورواية عن ابن عباس ونسبه ابن عطية إلى الجمهور . وروي عن ابن عباس أن قوله تعالى { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى آخر السورة نزل بالمدينة لذكر شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وابن رواحة وكعب بن مالك وهم المعني بقوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية . ولعل هذه الآية هي التي أقدمت هؤلاء على القول بأن تلك الآيات مدنية . وعن الداني قال : نزلت { والشعراء يتبعهم الغاوون } في شاعرين تهاجيا في الجاهلية .
وأقول : كان شعراء بمكة يهجون النبي صلى الله عليه وسلم منهم النضر بن الحارث ، والعوراء بنت حرب زوج أبي لهب ونحوهما ، وهم المراد بآيات { والشعراء يتبعهم الغاوون } . وكان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة كما سيأتي .
وعن مقاتل : أن قوله تعالى { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } نزل بالمدينة . وكان الذي دعاه إلى ذلك أن مخالطة علماء بني إسرائيل كانت بعد الهجرة . ولا يخفى أن الحجة لا تتوقف على وقوع مخالطة علماء بني إسرائيل ؛ فقد ذكر القرآن مثل هذه الحجة في آيات نزلت بمكة ، من ذلك قوله { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } في سورة الرعد وهي مكية ، وقوله { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } في سورة القصص وهي مكية ، وقوله { وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } في سورة العنكبوت وهي مكية . وشأن علماء بني إسرائيل مشهور بمكة وكان لأهل مكة صلات مع اليهود بالمدينة ومراجعة بينهم في شأن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كما تقدم عند قوله تعالى { ويسألونك عن الروح } في سورة الإسراء ، ولذا فالذي نوقن به أن السورة كلها مكية .
وهي السورة السابعة والأربعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الواقعة وقبل سورة النمل . وسيأتي في تفسير قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } ما يقتضي أن تلك الآية نزلت قبل نزول سورة أبي لهب وتعرضنا لإمكان الجمع بين الأقوال .
وقد جعل أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة عدد آيها مائتين وستا وعشرين ، وجعله أهل الشام وأهل الكوفة مائتين وسبعا وعشرين .
أولها التنويه بالقرآن ، والتعريض بعجزهم عن معارضته ، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن .
وفي ضمنه تهديدهم على تعرضهم لغضب الله تعالى ، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها والمعرضة عن آيات الله .
وأحسب أنها نزلت إثر طلب المشركين أن يأتيهم الرسول بخوارق ، فافتتحت بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت له ورباطة لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنة الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ؛ ولذلك ختم كل استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } تسجيلا عليهم بأن آيات الوحدانية وصدق الرسل عديدة كافية لمن يتطلب الحق ولكن أكثر المشركين لا يؤمنون وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب وأنه رحيم برسله فناصرهم على أعدائهم .
قال في الكشاف : كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه . وفيها من الاعتبار ما في غيرها فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها ، ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان ، ولأن هذه القصص طرقت بها إذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اه .
ثم التنويه بالقرآن ، وشهادة أهل الكتاب له ، والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين ، وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته ، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ ، وما تخلل ذلك من دلائل .
يأتي في تفسيره من التأويلات ما سبق ذِكره في جميع الحروف المقطعة في أوائل السور في معان متماثلة . وأظهر تلك المعاني أن المقصود التعريض بإلهاب نفوس المنكرين لمعارضة بعض سور القرآن بالإتيان بمثله في بلاغته وفصاحته وتحدّيهم بذلك والتورك عليهم بعجزهم عن ذلك .
وعن ابن عباس : أن { طَسم } قَسَم ، وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه قوله : { إن نَشَأ نُنزّل عليهم من السماء آية } [ الشعراء : 4 ] . فقال القرظي : أقسم الله بطوله وسَنائه ومُلكه . وقيل الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى ذي الطَّول ، القدوس ، الملك . وقد علمت في أول سورة البقرة أنها حروف للتهجّي واستقصاء في التحدّي يعجزهم عن معارضة القرآن ، وعليه تظهر مناسبة تعقيبه بآية { تلك آيات الكتاب المبين } [ الشعراء : 2 ] .
والجمهور قرأوا : { طَسمِّ } كلمة واحدة ، وأدغموا النون من سين في الميم وقرأ حمزة بإظهار النون . وقرأ أبو جعفر حروفاً مفككة ، قالوا وكذلك هي مرسومة في مصحف ابن مسعود حروفاً مفككة ( ط س م ) .
والقول في عدم مَدّ اسم ( طَا ) مع أن أصله مهموز الآخر لأنه لما كان قد عرض له سكون السكت حذفت همزته كما تحذف للوقف ، كما تقدم في عدم مدّ ( رَا ) في { الر } في سورة يونس ( 1 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
سورة الشعراء مكية، غير آيتين فإنهما مدنيتان؛ أحدهما: قوله تعالى: {أو لم يكن لهم آية أن يعلمه} الآية، والأخرى قوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
سورة الشعراء هذه السورة مكية كلها فيما قال جمهور الناس.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
سورة الشعراء مكية إلا الآية 197 ومن آية 224 إلى آخر السورة فمدنية.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
وقال المهايمي: سميت هذه السورة بها، لاختصاصها بتمييز الرسل عن الشعراء، لأن الشاعر، إن كان كاذبا فهو رئيس الغواة لا يتصور منه الهداية، وإن كان صادقا لا يتصور منه الافتراء على الله تعالى، وهذا من أعظم مقاصد القرآن. انتهى.
يشير إلى أن ذكر الشعراء فيها، لبيان أنهم في معزل عن الرسالة وتبرئة مقام الرسول صلوات الله عليه وسلامه، عما افتروا عليه من أنه شاعر؛ فالسورة على هذا كلها مكية، ردا لفريتهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا.. العقيدة.. ملخصة في عناصرها الأساسية: توحيد الله: (فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين).. والخوف من الآخرة: (ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).. والتصديق بالوحي المنزل على محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (وإنه لتنزيل رب العالمين؛ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين).. ثم التخويف من عاقبة التكذيب، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين؛ وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين: (فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون!).. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). ذلك إلى تسلية الرسول [صلى الله عليه وسلم] وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين؛ وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين؛ كما ثبت من قبلهم من المؤمنين.
وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها. والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب. والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة، تعبر عن موضوع السورة وتبرزه في أساليب متنوعة، تلتقي عند هدف واحد.. ومن ثم تعرض من كل قصة الحلقة أو الحلقات التي تؤدي هذه الأغراض. ويغلب على القصص كما يغلب على السورة كلها جو الإنذار والتكذيب، والعذاب الذي يتبع التكذيب. ذلك أن السورة تواجه تكذيب مشركي قريش لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] واستهزاءهم بالنذر، وإعراضهم عن آيات الله، واستعجالهم بالعذاب الذي يوعدهم به؛ مع التقول على الوحي والقرآن؛ والادعاء بأنه سحر أو شعر تتنزل به الشياطين! والسورة كلها شوط واحد -مقدمتها وقصصها وتعقيبها- في هذا المضمار. لذلك نقسمها إلى فقرات أو جولات بحسب ترتيبها.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اشتهرت عند السلف بسورة الشعراء لأنها تفردت من بين سور القرآن بذكر كلمة الشعراء. وكذلك جاءت تسميتها في كتب السنة. وتسمى أيضا سورة طسم...
ولعلها أول سورة جمعت ذكر الرسل أصحاب الشرائع المعلومة إلى الرسالة المحمدية...
الأغراض التي اشتملت عليها: أولها التنويه بالقرآن، والتعريض بعجزهم عن معارضته، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن. وفي ضمنه تهديدهم على تعرضهم لغضب الله تعالى، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها والمعرضة عن آيات الله. وأحسب أنها نزلت إثر طلب المشركين أن يأتيهم الرسول بخوارق، فافتتحت بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت له ورباطة لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنة الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب؛ ولذلك ختم كل استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} تسجيلا عليهم بأن آيات الوحدانية وصدق الرسل عديدة كافية لمن يتطلب الحق ولكن أكثر المشركين لا يؤمنون وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب وأنه رحيم برسله فناصرهم على أعدائهم. قال في الكشاف: كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه. وفيها من الاعتبار ما في غيرها فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها، ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان، ولأن هذه القصص طرقت بها آذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اه. ثم التنويه بالقرآن، وشهادة أهل الكتاب له، والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين، وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ، وما تخلل ذلك من دلائل.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ومحور الحديث في بداية هذه السورة وفي نهايتها: إبطال الشبهات التي يرددها أعداء القرآن، والرد عليهم بأقوى حجة وأسطع برهان، ولا سيما ما يموهون به من وصف الرسول بكونه شاعرا من الشعراء، وما يلوحون به من كون القرآن الذي أنزل عليه إنما هو نوع من الشعر الذي هو منه براء، وقد حكى كتاب الله مقالتهم من قبل في سورة الأنبياء: {بل قالوا أضغاث أحلام، بل افتراه، بل هو شاعر} [الآية: 5]، وسيحكيها مرة ثانية في سورة الصافات: {ويقولون أينا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 36]، ومرة ثالثة في سورة الطور: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} [الطور: 30]. وأبطل كتاب الله زعمهم، وسفه رأيهم، فقال في سورة يس: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين} [الآية: 69]، وقال في سورة الحاقة: {وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون} [الآية: 41]، غير أن "سورة الشعراء "التي نحن بصدد تفسيرها الآن هي التي فصلت القول في إبطال هذه الشبهة تفصيلا، وعرضت الأدلة التي تبطلها دليلا فدليلا. وبين بداية هذه السورة ونهايتها المتعلقين بمعجزة القرآن تخللت آياتها البينات قصة موسى مع فرعون وقومه، ابتداء من الآية التاسعة، وهي قوله تعالى: {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون}، ثم قصة إبراهيم مع قومه، ابتداء من الآية التاسعة والستين، وهي قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ إبراهيم، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين}، ثم قصة نوح مع قومه، ابتداء من الآية الخامسة بعد المائة، وهي قوله تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين، إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون}، ثم قصة هود مع عاد، ابتداء من الآية الثالثة والعشرين بعد المائة، وهي قوله تعالى: {كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون}، ثم قصة صالح مع ثمود، ابتداء من الآية الواحدة والأربعين بعد المائة، وهي قوله تعالى: {كذبت ثمود المرسلين، إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون}، ثم قصة لوط مع قومه، ابتداء من الآية الستين بعد المائة، وهي قوله تعالى: {كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون}، ثم قصة شعيب مع أصحاب الأيكة، ابتداء من الآية السادسة والسبعين بعد المائة، وهي قوله تعالى: {كذب أصحاب ليكة المرسلين، إذ قال لهم شعيب ألا تتقون}. ويلاحظ في ترتيب قصص الأنبياء المذكورة في هذه السورة أن الأسبق منها في الذكر كان هو الأقرب على عهد الرسالة المحمدية، ثم يليه ما فوقه، فقد وقع البدء بقصة موسى قبل قصة إبراهيم، ثم تلتها قصة إبراهيم قبل قصة نوح وهكذا، لأن الأمر يتعلق بتثبيت الرسول في دعوته، وضرب المثل له بما أصاب الرسل السابقين من أجل قيامهم بمثل رسالته، حتى يصمد ويثابر، ويصبر ويصابر، بينما ذكرت هذه القصص كلها أو بعضها في سور أخرى حسب وقوعها أولا بأول، وذلك في سياق الحديث عن بدء الخليفة وبدء الحياة البشرية، وما رافقها وتعاقب عليها في تسلسلها التاريخي من الرسالات الإلهية، من عهد آدم أب البشر أجمعين، إلى عهد خاتم الأنبياء والمرسلين. على أن إيراد قصص الأنبياء في عدة سور لا يعد من قبيل التكرار، إذ لا تعاد القصة في أية سورة بنفس ألفاظها وبكامل عناصرها وجميع حلقاتها، وإنما يؤتي منها في كل مقام بالعنصر المناسب للسياق، وبالحلقة التي لها بالموضوع ارتباط وثيق والتصاق، فيزيد ذلك أسلوب القرآن تألقا وجمالا، ويضيف إلى إعجازه تفوقا وكمالا. وقد اختار كتاب الله أن يختم كل قصة من القصص الواردة في هذه السورة بقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات، وما كان أكثرهم مومنين، وإن كان ربك لهو العزيز الحكيم} فأعيدت هذه الآية سبع مرات بعدد القصص السبع، علاوة على ورودها قبل ذلك في صدر السورة، تعقيبا على ما في خلق النبات وتنوع أصنافه، من حكمة إلهية، ومصلحة إنسانية، إذ قال تعالى: {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم}. وإنما أعيد ذكر هذه الآية عقب كل قصة من قصص الأنبياء السابقين، إشارة إلى أن كل واحدة منها كافية لاستخلاص العبر واستذكار المثلات، بالنسبة لما مضى وما هو آت، فالرسول عليه الصلاة والسلام يأخذ منها العبرة التي تناسب منصب الرسالة، بما له من مسؤوليات وتبعات، وما يتطلب القيام به على الوجه الأكمل من المتاعب والتضحيات، كما يستخلص العبرة منها من آمن من قومه ومن كفر، إذ فيما أصاب أقوام الرسل السابقين، من النجاة والخلاص، أو الهلاك والخسران، اللذين تضمنهما كل قصة، عبرة لمن اعتبر، {إن في ذلك لآية}، وهي تتضمن فوق ذلك تقرير حقيقة تاريخية ثابتة، ألا وهي أن انتصار الرسل وانتشار الرسالات لا يعني القضاء التام على أولياء الشيطان، الذين تعهد بإغوائهم والإيحاء إليهم في كل زمان، فالدنيا دار ازدواج وامتزاج يعيش فوق سطحها البر والفاجر، ويصطدم في ساحتها المومن بالكافر {وما كان أكثرهم مومنين}، وتنتهي الآية المشار إليها بخطاب كريم، من رب رحيم، يوجهه الحق سبحانه وتعالى إلى خاتم أنبيائه ورسله، مذكرا إياه أن الله لأعدائه بالمرصاد، ولأوليائه بالرحمة والإمداد {وإن ربك لهو العزيز} بالنسبة لأعدائه {الرحيم} بالنسبة لأوليائه. والآن وقد قدمنا فكرة عامة عما تضمنته سورة الشعراء من موضوعات نركز القول على مجموعة مختارة من آياتها البينات.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تأويل الكلام على قول ابن عباس والجميع: إن هذه الآيات التي أنزلتها على محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السورة لآيات الكتاب الذي أنزلته إليه من قبلها الذي بيّن لمن تدبره بفهم، وفكّر فيه بعقل، أنه من عند الله جلّ جلاله، لم يتخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتقوّله من عنده، بل أوحاه إليه ربه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(طسم. تلك آيات الكتاب المبين).. طاء. سين. ميم.. الأحرف المقطعة للتنبيه إلى أن آيات الكتاب المبين -ومنها هذه السورة- مؤلفة من مثل هذه الأحرف؛ وهي في متناول المكذبين بالوحي؛ وهم لا يستطيعون أن يصوغوا منها مثل هذا الكتاب المبين. والحديث عن هذا الكتاب متداول في السورة. في مقدمتها ونهايتها. كما هو الشأن في السور المبدوءة بالأحرف المقطعة في القرآن.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يأتي في تفسيره من التأويلات ما سبق ذِكره في جميع الحروف المقطعة في أوائل السور في معان متماثلة. وأظهر تلك المعاني أن المقصود التعريض بإلهاب نفوس المنكرين لمعارضة بعض سور القرآن بالإتيان بمثله في بلاغته وفصاحته وتحدّيهم بذلك والتورك عليهم بعجزهم عن ذلك.