في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

16

ثم تدركها شجاعة الأنثى المهددة في عرضها ! فتسأل في صراحة : كيف ?

( قالت : أنى يكون لي غلام ، ولم يمسسني بشر ، ولم أك بغيا ? ) . . هكذا في صراحة . وبالألفاظ المكشوفة . فهي والرجل في خلوة . والغرض من مباغتته لها قد صار مكشوفا . فما تعرف هي بعد كيف يهب لها غلاما ? وما يخفف من روع الموقف أن يقول لها : ( إنما أنا رسول ربك )ولا أنه مرسل ليهب لها غلاما طاهرا غير مدنس المولد ، ولا مدنس السيرة ، ليطمئن بالها . لا . فالحياء هنا لا يجدي ، والصراحة أولى . . كيف ? وهي عذراء لم يمسسها بشر ، وما هي بغي فتقبل الفعلة التي تجيء منها بغلام !

ويبدو من سؤالها أنها لم تكن تتصور حتى اللحظة وسيلة أخرى لأن يهبها غلاما إلا الوسيلة المعهودة بين الذكر والأنثى . وهذا هو الطبيعي بحكم التصور البشري .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

فلما سمعت مريم ذلك واستشعرت ما طرأ عليها استفهمت عن طريقه وهي لم يمسها بشر بنكاح ولم تكن زانية . و «البغي » المجاهرة المنبهرة في الزنا فهي طالبة له بغوى على وزن فعول كبتول وقتول ولو كانت فعيلاً لقوي أن يلحقها هاء التأنيث فيقال بغية{[7927]} .


[7927]:في الأصل: شبل بن عزرة، والتصويب عن كتب القراءات، قال في تقريب التهذيب: "شبيل ـ بالتصغيرـ ابن عزرة ـ بفتح المهلة بعدها زاي ساكنة ثم راء ـ الضبعي، أبو عمرو البصري النحوي، صدوق، من الخامسة"، وفي الأصول أن القراءة [فاجأها] بفاء فألف ممدودة بدون همز، ولكن قال أبو الفتح ابن جني في المحتسب: "[فأجأها] مثل فألجأها، ورواها ابن مجاهد أيضا أنها من المفاجأة، إلا أن ترك همزها إنما هو بدل لا تخفيف قياسي، وقد يجوز أن تكون القراءة على التخفيف القياسي، إلا أنه لطفت لضعف الهمزة بعد الألف، فظنها القراء ألفا ساكنة مدة، إلا أن قوله: مثل (ألجـأها) يشهد لقراءة الجماعة (فأجاءها) وقد يمكن أن يكون المراد: مثل أجاءها إذا أبدلت همزته ألفا، فيكون التشبيه لفظيا لا معنويا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا} (20)

قولها { ولم أكُ بغيّاً } تبرئة لنفسها من البغاء بما يقتضيه فعل الكون من تمكن الوصف الذي هو خبر الكون ، والمقصود منه تأكيد النفي فمفاد قولها { ولم أكُ بغيّاً } غير مفاد قولها { ولم يَمْسَسني بَشَر } ، وهو مما زادت به هذه القصة على ما في قصتها في سورة آل عمران ، لأن قصتها في سورة آل عمران نزلت بعد هذه فصح الاجتزاء في القصة بقولها { ولم يَمْسَسني بَشَر } .

وقولها { ولم يَمْسَسني بَشَر } أي لم يَبْننِ بي زوج ، لأنها كانت مخطوبة ومراكنة ليوسف النجار ولكنه لم يبن بها فإذا حملت بولد اتهمها خطيبها وأهلها بالزنى .

وأما قولها { ولَمْ أكُ بَغِياً } فهو نفي لأن تكون بغياً من قبل تلك الساعة ، فلا ترضى بأن ترمى بالبغاء بعد ذلك . فالكلام كناية عن التنزه عن الوصم بالبغاء بقاعدة الاستصحاب ، والمعنى : ما كنت بغيّاً فيما مضى أفأعدّ بغياً فيما يستقبل .

وللمفسرين في هذا المقام حيرة ذكرها الفخر والطيبي ، وفيما ذكرنا مخرج من مأزِقها ، وليس كلام مريم مسوقاً مساق الاستبعاد مثل قول زكرياء { أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً } [ مريم : 8 ] لاختلاف الحالين لأن حال زكرياء حال راغب في حصول الولد ، وحال مريم حال متشائم منه متبرىء من حصوله .

والبغِيّ : اسم للمرأة الزانية ، ولذلك لم تتصل به هاء التأنيث ، ووزنه فعيل أو فعول بمعنى فاعل فيكون أصله بَغوي . لأنه من البغي فلما اجتمع الواو والياء وسكن السابق منهما قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء الأصلية وعوض عن ضمة الغين كسرة لمناسبة الياء فصار بغي .