{ قَالَتْ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } إنما تعجبت مما بشَّرها جبريلُ ؛ لأنَّها قد عرفت بالعادة أنَّ الولادة لا تكونُ إلاَّ من رجُلٍ ، والعاداتُ عند أهل المعرفةِ معتبرةٌ في الأمُور ، وإن جوَّزنا خلاف ذلك في القدرة ، فليس في قولها هذا دلالةٌ على أنَّها لم تعلمْ أنَّه تعالى قادرٌ على خلق الولد ابتداءً ، وكيف ، وقد عرفت أنَّه تعالى خلق أبا البشر على هذا الحدِّ ؛ ولأنَّها كانت منفردةً بالعبادة ، ومن يكونُ كذلك ، لا بُدَّ أن يعرف قدرة الله تعالى على ذلك .
فإن قيل : قولها { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } كافٍ في المعنى ، فلم قالت : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } فالجوابُ{[21490]} من وجهين :
أحدهما : أنها جعلت المسَّ عبارة عن النِّكاح الحلال ؛ لأنَّه كنايةٌ عنه قال تعالى : { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } [ البقرة : 237 ] والزِّنَا ، إنما يقال فيه : فجر بها ، أو ما أشبهه .
والثاني : أن إعادتها ؛ لتعظيم حالها ؛ كقوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] وقوله تعالى : { وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] . فكذا هاهنا : إن من لم تعرف من النِّساء بزوجٍ ، فأغلظ أحوالها ، إذا أتت بولدٍ : أن تكُون زانيةً ، فأفردت ذلك البغْي بعد دخوله في الكرم ؛ لأنَّه أعظُم ما في بابه .
قوله تعالى : { بَغْيًّا } : في وزنه قولان :
أحدهما -وهو قولُ المبرِّد- أنَّ وزنه " فُعُولٌ " والأصل " بَغُويٌ " فاجتمعت الياء ، والواو ، [ ففعل فيه ما هو معروفٌ ]{[21491]} ، قال أبو البقاء{[21492]} : " ولذلك لم تلحق تاءُ التأنيث ؛ كما لم تلحقْ في صبُور وشكور " ونقل الزمخشريُّ عن أبي الفتح في كتابه " التمام " أنها فعيلٌ ، قال : " ولو كانت فُعولاً ، لقيل : بغُوٌّ ، كما يقال : فلان نهُوٌّ عن المنكر " ولم يعقبه بنكير ، ومن قال : إنها " فَعِيْلٌ " فهل هي بمعنى " فَاعِل " أو بمعنى " مَفْعُول " ؟ فإن كانت بمعنى " فاعل " فينبغي أن تكون بتاء التأنيث ؛ نحو : امرأةٌ قديرةٌ وبصيرةٌ ، وقد أجيب عن ذلك : بأنها معنى النَّسب ؛ كحائضٍ وطالقٍ ، أي ذات بغي ، وقال أبو البقاء{[21493]} ، حين جعلها بمعنى " فَاعِل " : " ولم تلحقِ التاءُ أيضاً ؛ لأنها للمبالغةِ " فجعل العلة في عدم اللحاقِ كون للمبالغة ؛ وليس بشيءٍ ، وإن قيل بأنَّها بمعنى " مَفْعُول " فعدمُ الياءِ واضحٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.