وقوله : { ومن صلح } أي من عمل صالحاً وآمن - قاله مجاهد وغيره - ويحتمل : أي من صلح لذلك بقدر الله تعالى وسابق علمه .
وحكى الطبري في صفة دخول الملائكة أحاديث لم نطول بها لضعف أسانيدها . والمعنى : يقولون : سلام عليكم ، فحذف - يقولون - تخفيفاً وإيجازاً ، لدلالة ظاهر الكلام عليه ، والمعنى : هذا بما صبرتم{[3]} ، والقول في { عقبى الدار } على ما تقدم من المعنيين .
وقرأ الجمهور «فنِعْم » بكسر النون وسكون العين ، وقرأ يحيى بن وثاب «فنَعِم » بفتح النون وكسر العين .
وقالت فرقة : معنى { عقبى الدار } أي أن أعقبوا الجنة من جهنم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل مبني على حديث ورد ، وهو : أن كل رجل في الجنة فقد كان له مقعد معروف في النار ، فصرفه الله عنه إلى النعيم ، فيعرض عليه ويقال له : هذا كان مقعدك فبدلك الله منه الجنة بإيمانك وطاعتك وصبرك{[4]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قالوا لهم: {سلام عليكم بما صبرتم} في الدنيا على أمر الله، {فنعم عقبى الدار}، يثني الله على الجنة عقبى الدار، عاقبة حسناهم دار الجنة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أما قوله:"سَلامٌ عَلَيكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ" فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه... عن أبي عمران الجُونِيّ أنه تلا هذه الآية: "سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ "قال: على دينكم... قال ابن زيد، في قوله: "سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ" قال: حين صبروا لله بما يحبه الله فقدّموه. وقرأ: "وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرا" حتى بلغ: "وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا"، وصبروا عما كره الله وحرّم عليهم، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله، فسلم عليهم بذلك. وقرأ: "وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ".
وأما قوله: "فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ" فإن معناه إن شاء الله:... عن أبي عمران الجوْنِي في قوله: "فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ" قال: الجنة من النار.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله:"سلام عليكم بما صبرتم" أي يقول هؤلاء الملائكة الداخلون عليهم: "سلام عليكم". والسلام: التحية بالكرامة على انتفاء كل أمر يشوبه من مضرة...
والعقبى: الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر، فعقبى المؤمن الجنة فهي نعم الدار، وعقبى الكافر النار، وهي بئس الدار. و (الباء) في قوله "بما صبرتهم "يتعلق بمعنى" سلام عليكم "لأنه دل على السلامة لكم بما صبرتم، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف، وتقديره هذه الكرامة لكم بما صبرتم.
وقيل في معنى" بما صبرتم "قولان:
أحدهما -أن تكون (ما) بمعنى المصدر، فكأنه قال: بصبركم.
والثاني- أن تكون بمعنى (الذي) كأنه قال بالذي صبرتم على فعل طاعاته وتجنب معاصيه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يعنون هذا الثواب بسبب صبركم... ويجوز أن يتعلق بسلام، أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
... "سلام عليكم بما صبرتم"... قيل: هو دعاء لهم بدوام السلامة، وإن كانوا سالمين، أي سلمكم الله، فهو خبر معناه الدعاء، ويتضمن الاعتراف بالعبودية...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
يقولون لهم: {سلام عليكم} والسلام: التحية بالكرامة على انتفاء كل شائب من مضرة، وبين أن سبب هذا السلام الصبر فقال: {بما صبرتم} أي بصبركم، والذي صبرتم له، والذي صبرتم عليه، إشارة إلى أن الصبر عماد الدين كله. ولما تم ذلك تسبب عنه قوله: {فنعم عقبى الدار} وهي المسكن في قرار، المهيأ بالأبنية التي يحتاج إليها والمرافق التي ينتفع بها؛ والعقبى: الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).. فهو مهرجان حافل باللقاء والسلام والحركة الدائبة والإكرام...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {سلام عليكم} مقول قول محذوف لأن هذا لا يكون إلا كلاماً من الداخلين. وهذا تحية يقصد منها تأنيس أهل الجنة.
والباء في {بما صبرتم} للسببية، وهي متعلقة بالكون المستفاد من المجرور وهو {عليكم}. والتقدير: نالكم هذا التكريم بالسلام بسبب صبركم. ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف مستفادٍ من المقام، أي هذا النعيم المشاهد بما صبرتم.
والمراد: الصبر على مشاق التكاليف وعلى ما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم.
وفرع على ذلك {فنعم عقبى الدار} تفريع ثناء على حسن عاقبتهم. والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة مقام الخطاب عليه. والتقدير: فنعم عقبى الدار دارُ عُقْباكم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.