فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (24)

{ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ( 24 ) }

{ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } أي قائلين سلام عليكم ، فأضمر القول هنا لدلالة الكلام عليه أي سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة ، وقيل دعاء لهم من الملائكة ، أي سلمكم الله تعالى { بِمَا صَبَرْتُمْ } أي بسبب صبركم في الدنيا على الآفات وهو متعلق بالسلام ، أي إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم أو متعلق بعليكم أو بمحذوف ، أي هذه الكرامة بسبب صبركم وبدل ما احتملتم من مشاق الصبر { فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } أي نعم ما أعقبكم الله من الدنيا الجنة .

أخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحيلة والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم ؟ .

قال الله : إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدوني ولا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب قائلين لهم سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) {[1001]} .

وفي القرطبي عن عبد الله بن سلام وعلي بن الحسين : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الصبر ، فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فتقول إلى أين ؟ فيقولون إلى الجنة ، قالوا : قبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، فيقولون : من أنتم ، فيقولون : نحن أهل الصبر ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا أنفسنا على طاعة الله ، وصبرناها عن معاصي الله ، وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا .

قال علي بن الحسين : فتقول لهم الملائكة : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار التي كنتم فيها وعملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه ، فالعقبى على هذا اسم والدار هي الدنيا .

وقال أبو عمران الجوني : أي الجنة عن النار بضم الجيم ، وعنه الجنة عن الدنيا وبالجملة فقد جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق .


[1001]:أحمد بن حنبل 2 / 168.