في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

93

ولما كان بعض المسلمين ما يزالون على صلات منوعة باليهود في المدينة ، ولما كانت لليهود حتى ذلك الحين قوة ظاهرة : عسكرية واقتصادية يحسب حسابها بعض المسلمين ، فقد تكفل القرآن بتهوين شأن هؤلاء الفاسقين في نفوس المسلمين ، وإبراز حقيقتهم الضعيفة بسبب كفرهم وجرائمهم وعصيانهم ، وتفرقهم شيعا وفرقا ، وما كتب الله عليهم من الذلة والمسكنة .

( لن يضروكم إلا أذى . وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ، ثم لا ينصرون ، ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا - إلا بحبل من الله وحبل من الناس - وباؤوا بغضب من الله ، وضربت عليهم المسكنة . ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء بغير حق ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) .

بهذا يضمن الله للمؤمنين النصر وسلامة العاقبة ، ضمانة صريحة حيثما التقوا بأعدائهم هؤلاء ، وهم معتصمون بدينهم وربهم في يقين :

( لن يضروكم إلا أذى . وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) . .

فلن يكون ضررا عميقا ولا أصيلا يتناول أصل الدعوة ، ولن يؤثر في كينونة الجماعة المسلمة ، ولن يجليها من الأرض . . إنما هو الأذى العارض في الصدام ، والألم الذاهب مع الأيام . . فأما حين يشتبكون مع المسلمين في قتال ، فالهزيمة مكتوبة عليهم - في النهاية - والنصر ليس لهم على المؤمنين ، ولا ناصر لهم كذلك ولا عاصم من المؤمنين . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

{ لن يضروكم إلا أذى } ضررا يسيرا كطعن وتهديد . { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار } ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر . { ثم لا ينصرون } ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم ، نفي إضرارهم سوى ما يكون بقول وقرر ذلك بأنهم لو قاموا إلى القتال كانت الدبرة عليهم ، ثم أخبر بأنه تكون عاقبتهم العجز والخذلان . وقرئ " لا ينصروا " عطفا على يولوا على أن ثم للتراخي في الرتبة فيكون عدم النصر مقيدا بقتالهم ، وهذه الآية من المغيبات التي وافقها الواقع إذ كان ذلك حال قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

استئناف نشأ عن قوله { وأكثرهم الفاسقون } [ آل عمران : 110 ] لأن الإخبار عن أكثرهم بأنَّهم غير مؤمنين يؤذن بمعادَاتهم للمؤمنين ، وذلك من شأنه أن يوقع في نفوس المسلمين خشية من بأسهم ، وهذا يختصّ باليهود ، فإنَّهم كانوا منتشرين حيال المدينة في خيبر ، والنضير ، وقينقاع ، وقريظة ، وكانوا أهل مكر ، وقوة ، ومال ، عُدّة ، والمسلمون يومئذٍ في قلّة فطمأن الله المسلمين بأنَّهم لا يخشون بأس أهل الكتاب ، ولا يخشون ضُرّهم ، لكن أذاهُم .

أمَّا النصّارى فلا ملابسة بينهم وبين المسلمين حتَّى يخشوهم . والأذى هو الألم الخفيف وهو لا يبلغ حد الضرّ الَّذي هو الألم ، وقد قيل : هو الضرّ بالقول ، فيكون كقول إسحاق بن خلف :

أخشىَ فَظاظة عمّ أو جَفاء أخٍ *** وكُنتُ أبقى عليها من أذى الكَلِم

ومعنى { يولّوكم الأدبار } يفرّون منهزمين .

وقوله { ثم لا ينصرون } احتراس أي يولوكم الأدبار تولية منهزمين لا تولية متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة ، أو متأمّلين في الأمر . وفي العدول عن جعله معطوفاً على جملة الجواب إلى جعله معطوفاً على جملتي الشرط وجزائه معاً ، إشارة إلى أنّ هذا ديدنهم وهجيراهم . لو قاتلوكم ، وكذلك في قتالهم غيركم .

وثمّ لترتيب الإخبار دالّة على تراخي الرتبة . ومعنى تراخي الرتبة كون رتبة معطوفها أعظم من رتبة المعطوف عليه في الغرض المسوق له الكلام . وهو غير التّراخي المجازي ، لأن التّراخي المجازي أن يشبَّه ما ليس بمتأخّر عن المعطوف بالمتأخّر عنه .

وهذا كلّه وعيد لهم بأنهم سيقاتلون المسلمين ، وأنّهم ينهزمون ، وإغراء للمسلمين بقتالهم .