في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

( وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم ، وقعد الذين كذبوا اللّه ورسوله ، سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ) . .

فأما الأولون فهم ذوو الأعذار الحقيقية فلهم عذرهم إن استأذنوا في التخلف ، وأما الآخرون فقعدوا بلا عذر . قعدوا كاذبين على اللّه والرسول . وهؤلاء ينتظر الذين كفروا منهم عذاب أليم أما الذين يتوبون ولا يكفرون فمسكوت عنهم لعل لهم مصيراً غير هذا المصير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

{ وجاء المعذّرون من الأعراب ليُؤذن لهم } يعني أسدا وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال . وقيل هم رهط عامر بن الطفيل قالوا إن غزونا معك أغارت طيئ على أهالينا ومواشينا . والمعذر أما من عذر في الأمر إذا قصر فيه موهما أن له عذرا ولا عذر له ، أو من اعتذر إذا مهد العذر بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين ، ويجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع لكن لم يقرأ بهما . وقرأ يعقوب { المعذَّرون } من أعذر إذا اجتهد في العذر . وقرئ { المعَّذرون } بتشديد العين والذال على أنه من تعذر بمعنى اعتذر وهو لحن إذ التاء لا تدغم في العين ، وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع أو بالصحة فيكون قوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } في غيرهم وهم منافقو الأعراب كذبوا الله ورسوله في ادعاء الإيمان وإن كانوا هم الأولين فكذبهم بالاعتذار . { سيصيب الذين كفروا منهم } من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره { عذاب أليم } بالقتل والنار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (90)

عُطِفت جملة : { وجاء المعذرون } على جملة { استأذنك أولوا الطول منهم } [ التوبة : 86 ] ، وما بينهما اعتراض ، فالمراد بالمعذّرين فريق من المؤمنين الصادقين من الأعراب ، كما تدلّ عليه المقابلة بقوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } . وعلى هذا المعنى فسَّر ابن عبّاس ، ومجاهد ، وكثير . وجعلوا من هؤلاء غفاراً ، وخالفهم قتادة فجعلهم المعتذرين كَذِباً ، وهم بَنو عامر رهطُ عامرٍ بن الطُفيل ، قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم إن خرجْنا معك أغارت أعراب طيء على بيوتنا . ومن المعذّرين الكاذبين أسَد ، وغَطَفان .

وعلى الوجهين في التفسير يختلف التقدير في قوله : { المعذورون } فإن كانوا المحقين في العذر فتقدير { المعذرون } أنّ أصله المعتذرون ، من اعتذر أدغمت التاء في الذال لتقارب المخرجين لقصد التخفيف ، كما أدغمت التاء في الصاد في قوله : { وهم يخصمون } [ يس : 49 ] ، أي يختصمون .

وإن كانوا الكاذبين في عذرهم فتقدير المعذرون : أنّه اسم فاعل من عَذَّر بمعنى تكلّف العذر فعن ابن عباس : لعن الله المعذرين . قال الأزهري : ذهب إلى أنّهم الذين يعتذرون بلا عُذر فكأن الأمر عنده أنّ المعذّر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالاً وهو لا عُذر له اه . وقال شارح « ديوان النابغة » عند قول النابغة :

وَدّعْ أمامة والتوديع تَعْذير *** أي لاَ يجد عُذراً غير التوديع .

ويجوز أن يكون اختيار صيغة المعذّرين من لطائف القرآن لتشمل الذين صدقوا في العذر والذين كذبوا فيه .

والاعتذار افتعال من باب ما استعمل فيه مادة الافتعال للتكلّف في الفعل والتصرّف مثل الاكتساب والاختلاق . وليس لهذا المزيد فعل مجرّد بمعناه وإنّما المجرد هو عَذَر بمعنى قبل العذر . والعذر البيّنة والحالة التي يتنصل المحتج بها من تبعة أو مَلام عند من يعتذر إليه .

وقرأ يعقوب { المعذِرون } بسكون العين وتخفيف الذال ، من أعذر إذا بالغ في الاعتذار .

والأعراب اسم جمع يقال في الواحد : أعرابي بياء النسب نسبة إلى اسم الجمع كما يقال مَجوسي لواحد المجوس . وصيغة الأعراب من صيغ الجموع ولكنّه لم يكن جمعاً لأنّه لا واحد له من لفظ جمعه فلذلك جعل اسمَ جمع . وهم سكان البادية .

وأمّا قوله : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } فهم الذين أعلنوا بالعصيان في أمر الخروج إلى الغزو من الأعراب أيضاً كما ينبئ عنه السياق ، أي قعدوا دون اعتذار . فالقعود هو عدم الخروج إلى الغزو . وعلم أنّ المراد القعود دون اعتذار من مقابلته بقوله : { وجاء المعذرون من الأعراب } .

وجملة : { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } عطف على جملة : { وجاء المعذرون من الأعراب } وهذا فريق آخر من الأعراب خليط من مسلمين ومنافقين { كذبوا } بالتخفيف ، أي كانوا كاذبين ، والمراد أنّهم كذبوا في الإيمان الذي أظهروه من قبلُ ، ويحتمل أنّهم كذبوا في وعدهم النصر ثم قعدوا دون اعتذار بحيث لم يكن تخلّفهم مترقّباً لأنّ الذين اعتذروا قد علم النبي عليه الصلاة والسلام أنّهم غير خارجين معه بخلاف الآخرين فكانوا محسوبين في جملة الجيش . وتخلّفُهم أشدّ إضرار لأنّه قد يَفُلّ من حِدّة كثير من الغزاة .

وجملة : { سيصيب الذين كفروا } مستأنفة لابتداءِ وعيد .

وضمير { منهم } يعود إلى المذكورين فهو شامل للذين كذبوا الله ورسوله ولمن كان عذره ناشئاً عن نفاق وكذب .

وتنكير عذاب للتهويل والمراد به عذاب جهنّم .