في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

22

فإذا لم يجد إنسان ما يؤدي به حق ذوي القربى والمساكين وابن السبيل واستحيا أن يواجههم ، وتوجه إلى الله يرجو أن يرزقه ويرزقهم ، فليعدهم إلى ميسرة ، وليقل لهم قولا لينا ، فلا يضيق بهم صدره ، ولا يسكت ويدعهم فيحسوا بالضيق في سكوته ، في القول الميسور عوض وأمل وتجمل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

{ وإما تُعرضنّ عنهم } وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكن وابن السبيل حياء من الرد ، ويجوز أن يراد بالإعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية . { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه ، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه ، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله : { فقل لهم قولا ميسورا } أي فقل لهم قولا لينا ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم ، والميسور من يسر الأمر مثل سَعُدَ الرّجل ونحس ، وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

وقوله تعالى : { وإما تعرض } ، الضمير في { عنهم } عائد على من تقدم ذكره من المساكين وبني السبيل ، فأمر الله تعالى نبيه في هذه الآية إذا سأله منهم أحد ، فلم يجد عنده ما يعطيه فقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض تأدباً منه في أن لا يرده تصريحاً ، وانتظار الرزق من الله تعالى يأتي فيعطي منه ، أن يكون يؤنسه بالقول الميسور ، وهو الذي فيه الترجية بفضل الله تعالى والتأنيس بالميعاد الحسن والدعاء في توسعة الله تبارك وتعالى وعطائه ، وروي أنه عليه السلام كان يقول بعد نزول هذه الآية ، إذا لم يكن عنده ما يعطي : يرزقنا الله وإياكم من فضله{[7535]} ، ف «الرحمة » على هذا التأويل الرزق المنتظر ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة ، وقال ابن زيد «الرحمة » الأجر والثواب ، وإنما نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأبى أن يعطيهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم منهم نفقة المال في فساد ، فكان يعرض عنهم رغبة الأجر في منعهم لئلا يعينهم على فسادهم ، فأمره الله تعالى بأن يقول لهم { قولاً ميسوراً } يتضمن الدعاء في الفتح لهم والإصلاح .

قال القاضي أبو محمد : وقال بعض أهل التأويل الأول ، نزلت الآية في عمار بن ياسر وصنفه ، و «الميسور » مفعول من لفظة اليسر ، تقول يسرت لك كذا إذا أعدَدته .


[7535]:أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {قولا ميسورا}، قال: "قولا جميلا، رزقنا الله وإياك، بارك الله فيك"، هكذا ذكره السيوطي ولم يرفعه ابن زيد.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا} (28)

عطف على قوله : { وآت ذا القربى والمسكين } [ الإسراء : 26 ] لأنه من تمامه .

والخطاب لغير معين ليعم كل مخاطب . والمقصود بالخطاب النبي لأنه على وزان نظم قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] فإن المواجهة ب ربك } في القرآن جاءت غالباً لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم ويعدله ما روي أن النبي كان إذا سأله أحد مالاً ولم يكن عنده ما يعطيه يعرض عنه حياء فنبهه الله إلى أدب أكمل من الذي تعهده من قبل ويحصل من ذلك تعليم لسائر الأمة .

وضمير { عنهم } عائد إلى ذي القُربى والمسكين وابن السبيل .

والإعراض : أصله ضد الإقبال مشتق من العُرض بضم العين أي الجانب ، فأعرض بمعنى أعطى جانبه { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } [ الإسراء : 83 ] ، وهو هنا مجاز في عدم الإيتاء أو كناية عنه لأن الإمساك يلازمه الإعراض ، أي إن سألك أحدهم عطاءً فلم تجبه إليه أو إن لم تفتقدهم بالعطاء المعروف فتباعدتَ عن لقائهم حياءً منهم أن تلاقيهم بيد فارغة فقل لهم قولاً ميسوراً .

والميسور : مفعول من اليُسر ، وهو السهولة ، وفعله مبني للمجهول . يقال : يُسِر الأمرُ بضم الياء وكسر السين كما يقال : سُعِد الرجل ونُحِس ، والمعنى : جُعِل يسيراً غير عسير ، وكذلك يقال : عُسِر . والقول الميسور : اللين الحسن المقبول عندهم ؛ شبه المقبول بالميسور في قبول النفس إياه لأن غير المقبول عسير . أمر الله بإرفاق عدم الإعطاء لعدم الموجدة بقول لين حسن بالاعتذار والوعد عند الموجدة ، لئلا يُحمل الإعراض على قلة الاكتراث والشح .

وقد شرط الإعراض بشرطين : أن يكون إعراضاً لابتغاء رزق من الله ، أي إعراضاً لعدم الجدة لا اعتراضاً لبخل عنهم ، وأن يكون معه قول لين في الاعتذار . وعلم من قوله : ابتغاء رحمة من ربك } أنه اعتذار صادق وليس تعللاً كما قال بشار :

وللبخيل على أمواله علل *** رزق العيون عليها أوجه سود

فقوله : { ابتغاء رحمة من ربك } حال من ضمير { تعرضن } مصدر بالوصف ، أي مبتغياً رحمة من ربك . و { ترجوها } صفة ل { رحمة } . والرحمة هنا هي الرزق الذي يتأتى منه العطاء بقرينة السياق . وفيه إشارة إلى أن الرزق سبب للرحمة لأنه إذا أعطاه مستحقه أثيب عليه ، وهذا إدماج .

وفي ضمن هذا الشرط تأديب للمؤمن إن كان فاقداً ما يبلغ به إلى فعل الخير أن يرجوَ من الله تيسير أسبابه ، وأن لا يحمله الشح على السرور بفقد الرزق للراحة من البذل بحيث لا يَعدِم البذلَ الآن إلا وهو راج أن يسهل له في المستقبل حرصاً على فضيلته ، وأنه لا ينبغي أن يعرض عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إلا في حال رجاء حصول نعمة فإن حصلت أعطاهم .