في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ} (1)

سورة الناس مكية وآياتها ست

الاستعاذة في هذه السورة برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس . والمستعاذ منه هو : شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس .

والاستعاذة بالرب ، الملك ، الإله ، تستحضر من صفات الله - سبحانه - ما به يدفع الشر عامة ، وشر الوسواس الخناس خاصة .

فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الناس مختلف فيها وآيها ست آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ } وقرئ في السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتهما إلى اللام { برب الناس } لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية وهي تعم الإنسان وغيره والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية وتخصها عمم الإضافة ثم وخصصها بالناس ها هنا فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة الناس، مكية .

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قال ابن عباس وغيره : هي مدنية ، وقال قتادة : هي مكية .

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

فيها ثلاث مسائل :

المسألة الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهِمَا : رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَشْعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْته فِيهِ ؟ أَتَانِي مَلَكَانِ ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي ، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِيَّ قَالَ [ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلِي ] : مَا شَأْنُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ . قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ . فَقَالَ : فَبِمَاذَا ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاقةٍ ، فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذي أرْوَانَ . فَجَاءَ الْبِئْرَ وَاسْتَخْرَجَهُ » . انْتَهَى الصَّحِيحُ ، زَادَ غَيْرُهُ : «فَوَجَدَ فِيهَا إحْدَى عَشْرَ عُقْدَةً ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ إحْدَى عَشْرَ آيَةً ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، حَتَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ ، وَقَامَ كَأَنَّمَا أَنْشَطُ مِنْ عِقَالٍ » ..

.........................................................

المسألة الثَّالِثَةُ : رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُنَّ ، فَذَكَرَ السُّورَتَيْنِ : الْفَلَقَ ، وَالنَّاسَ » صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ . وَفِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا » . قُلْت لِلزُّهْرِيِّ : كَيْفَ يَنْفُثُ ؟ قَالَ : يَنْفُثُ عَلَى يَدَيْهِ ، وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : قَالَ مَالِكٌ : هُمَا مِن الْقُرْآنِ . ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تقدم عند تفسير أول سورة الفلق أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سورة الناس { قل أعوذ برب الناس } . وتقدم في سورة الفلق أنها وسورة الناس تسميان المعوذتين، والمشقشقتين بتقديم الشين على القافين ، وتقدم أيضا أن الزمخشري والقرطبي ذكرا أنهما تسميان المقشقشتين بتقديم القافين على الشينين ، وعنونها ابن عطية في المحرر الوجيز سورة المعوذة الثانية بإضافة سورة إلى المعوذة من إضافة الموصوف إلى الصفة . وعنونهما الترمذي المعوذتين ، وعنونها البخاري في صحيحه سورة قل أعوذ برب الناس .

وفي مصاحفنا القديمة والحديثة المغربية والمشرقية تسمية هذه السورة سورة الناس ، وكذلك أكثر كتب التفسير .

وهي مكية في قول الذين قالوا في سورة الفلق أنها مكية ، ومدنية في قول الذين قالوا في سورة الفلق أنها مدنية . والصحيح أنهما نزلتا متعاقبتين ، فالخلاف في إحداهما كالخلاف في الأخرى .

وقال في الإتقان : أن سبب نزولها قصة سحر لبيد بن الأعصم ، وأنها نزلت مع { سورة الفلق } وقد سبقه على ذلك القرطبي والواحدي ، وقد علمت تزييفه في سورة الفلق ...

أغراضها:

إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لأن يتعوذ بالله ربه من شر الوسواس الذي يحاول إفساد عمل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإفساد إرشاده ويلقي في نفوس الناس الإعراض عن دعوته . وفي هذا الأمر إيماء إلى الله تعالى معيذه في ذلك فعاصمه في نفسه من تسلط وسوسة الوسواس عليه ، ومتمم دعوته حتى تعم في الناس . ويتبع ذلك تعليم المسلمين التعوذ بذلك ، فيكون لهم من هذا التعوذ بذلك ، فيكون لهم من هذا التعوذ ما هو حظهم . ومن قابلية التعرض إلى الوسواس ، ومن السلامة منه بمقدار مراتبهم في الزلفى .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

هذه سورةٌ مميزةٌ باعتبارها إحدى السورتين المعوذتين ، ولكنها تختلف عن السورة الأولى بأنها لا تدعو إلى الاستعاذة بالله من العوامل الشرّيرة الخارجية التي تترك تأثيراً سلبياً قاسياً من قبل الآخرين ، أو الأوضاع الكونية المحيطة بالإنسان ؛ بل تدعو إلى الاستعاذة من العوامل الداخلية التي تتحرك في النفس في منطقة الفكر أو الشعور ، من خلال الوسواس الذي قد يكون بشراً ، وقد يكون جنّاً ، بطريقة طبيعية أو غير طبيعية ، بحيث ترهق حياته النفسية التي قد تترك تأثيراتها السلبية على حياته العملية في عمله ، أو في قوله ، أو في علاقاته بالآخرين ، مما قد يدمّر واقعه ، أو يؤدي به إلى القلق والحيرة والضياع ، أو يقوده إلى الارتباك والاهتزاز في خطواته العملية في الحياة ، فيحتاج - بفعل الخوف والذعر من النتائج القاسية الصعبة التي لا يستطيع الخلاص منها - إلى الاستعاذة : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ *إِلَهِ النَّاسِ } ، الذي يملك تدبير أمورهم ، ويملك ذواتهم ووجودهم ، ويستعبدهم من موقع الألوهية المهيمنة على الأمر كله ، { مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } ويختفي ليترك تأثيرات وسوسته تتفاعل في داخله { مِنَ الْجِنَّةِ } الذين لا يستطيع أن يتعرف عليهم { وَالنَّاسِ } الذين لا يشعر بحركة وسوستهم في داخله بشكلٍ واضحٍ ....

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

محتوى هذه السّورة شبيه بمحتوى سورة الفلق ، فكلاهما يَدوران حول الاستعاذة بالله من الشرور والآفات ، مع فارق أن سورة الفلق تتعرض لأنواع الشرور ، وهذه السّورة تركز على شرّ الوسواس الخناس .

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ قل أعوذ برب الناس } أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ برب الناس . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قل يا محمد : أستجير { بِرَبّ النّاسِ مَلِكِ النّاسِ } ، وهو ملك جميع الخلق : إنسِهم وجنهم ، وغير ذلك ، إعلاما منه بذلك مَنْ كان يعظّم الناس تعظيم المؤمنين ربّهم ، أنه مَلِكُ من يعظمه ، وأن ذلك في مُلكه وسلطانه ، تجري عليه قُدرته ، وأنه أولى بالتعظيم ، وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه ، ويتعبّد له ، من غيره من الناس . ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ قُلْ أعُوذُ بِربِّ النّاسِ} وإنما ذكر أنه رب الناس، وإن كان ربّاً لجميع الخلق لأمرين: أحدهما : لأن الناس معظمون ، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم ، وإن عظموا .

الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يُعيذ منهم . ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أعتصِم بربِّ الناسِ خالقِهِم وسيَّدِهم . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : لم قيل { بِرَبّ الناس } مضافاً إليهم خاصة ؟ قلت : لأنّ الاستعاذة وقعت من شرّ الموسوس في صدور الناس ، فكأنه قيل : أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم ، وهو إلههم ومعبودهم ، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

جاءت سورة الناس متضمنة للاستعاذة من شر خاص ، وهو الوسواس ، وهو أخص من مطلق الحاسد ، ويرجع إلى المعايب الداخلة اللاحقة للنفوس البشرية التي أصلها كلها الوسوسة ، وهي سبب الذنوب والمعاصي كلها ، وهي من الجن أمكن وأضر ، والشر كله يرجع إلى المصائب والمعايب ، فقد تضمنت السورة كالفلق استعاذة ومستعاذاً به ومستعاذاً منه ، وأمراً بإيجاد ذلك ، فالأمر : { قل } ، والاسعتاذة { أعوذ } ، والمستعاذ به هو الله سبحانه وتعالى ، لكن لما كانت صفة الربوبية من صفات كماله -سبحانه- أليق بالحماية والإعانة والرعاية والخلق والتدبير والتربية والإصلاح ، المتضمن للقدرة التامة ، والرحمة الواسعة ، والإحسان الشامل ، والعلم الكامل ، قال تعالى : { برب الناس } أي أعتصم به ، أي أسأله أن يكون عاصماً لي من العدو أن يوقعني في المهالك ....

مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :

( والرب ) : رب الناس وغيرهم ؛ بل رب العالمين ، وإنما خص الناس بالذكر :

- لأنهم هم هدفه ، ومرمى وسوسته ، ولأنهم هم المأمورون بالاستعاذة منه ، ولأن عالم التكليف أشرف ، فإليهم يوجه الخطاب ، وإليهم يساق التحذير . وهذه الوسوسة نتيجة للعداوة بين أصليهما ؛ فأمر الله بالاستعاذة منها هو تسليح إلهي لبني آدم ، لتثبيت سنة التعمير التي هي حكمة الله من وجودهم . ...

- ونكتة أخرى في تخصيص الناس بالذكر دون بقية أفراد المربوبين ، وهي أنهم هم الذين ينطبق عليهم ناموس الهداية والضلال ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الاستعاذة في هذه السورة برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس . والمستعاذ منه هو : شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس . والاستعاذة بالرب ، الملك ، الإله ، تستحضر من صفات الله - سبحانه - ما به يدفع الشر عامة ، وشر الوسواس الخناس خاصة . فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعُرِّف { رب } بإضافته إلى { الناس } دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيَضِلُّون ويُضلون ، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس ، فناسب أن يُستحضر المستعاذُ إليه بعنوان أنه رب من يُلْقون الشر ومن يُلْقَى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمَولى العبد : يا مولَى فلان كُف عني عبدك . ... وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيباً مدرَّجاً فإن الله خالقهم ، ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم ، ثم زيد بياناً بوصف إلهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضاً وحاكمية بعضهم في بعض . وفي هذا الترتيب إشعار أيضاً بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلم بادئ ذي بدء بأن له رباً يسبب ما يشعُر به من وجود نفسه ، ونعمة تركيبه ، ثم يتغلغل في النظر فيَشعر بأن ربه هو المَلِكُ الحقُّ الغني عن الخلق ، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إله الناس كلهم . ...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وهي مثل سابقتها في معرض تعليم المسلمين الاستعاذة بالله وحده ، ونبذ ما سواه من كل وسوسة ظاهرة وخفية ، من جن وإنس . والمتبادر أن المقصود من وسوسة الإنس هو ما يحاوله ويقوم به ذوو الأخلاق السيئة ، والسرائر الفاسدة ، من إغراء وإغواء ، وإيحاء ، وتلقين بالشرور والمنكرات والبغي ، وإقامة العثرات في سبيل الخير والصلاح ، والحق والبر . أما وسوسة الجنة فالمقصود منها كما هو المتبادر أيضا وسوسة تلك العناصر الخفية التي توسوس في صدور الناس ، وتغريهم بالشر والفساد والمنكرات والبغي والكفر ، وعبادة غير الله ، وجحود نعمته . وتزينه لهم ، وتمنعهم عن الإيمان والخير والمعروف والبر ، والتي سماها القرآن بأسماء إبليس وجنوده وذريته وقبيله والشيطان والشياطين .... وروح الآيات تلهم أن السامعين يعرفون ما يفعله الوسواس الخناس من الجنة والناس . وقد تضمنت السورة أهدافا جليلة ، وتلقينات بليغة . فالوساوس سواء أكانت تلك التي تأتي في أعماق النفس وعناصر الشر الخفية ، أم تلك التي تأتي عن طريق وألسنة الشر وأعوان السوء من البشر ، من شأنها أن تثير مختلف الهواجس ونوازع الشر والإثم ، وتسبب نتائج خطيرة في علاقات الناس ببعضهم ... فالأمر بالاستعاذة بالله منها ومن شر مسببيها يتضمن التحذير والتنبيه والتنديد من جهة ، والدعوة إلى الازورار عن الموسوسين ونبذهم من جهة ، وتلقين تغليب نوازع الخير وإقامة الناس علاقاتهم فيما بينهم على أساس الروح الطيبة ، والنية الحسنة ، وحسن الظن ....

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

فها هنا توجيه من الله للرسول والمؤمنين إلى الاعتصام بحبل الله ، والالتجاء إليه ، والاحتماء بما له من صفات الربوبية والملك والألوهية ... قال ابن عباس : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس . وإذا ذكر الله خنس " ، و " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ، كما ورد في الحديث الشريف .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

يلاحظ أن الآيات ركزت على ثلاث من صفات الله سبحانه هي( الربوبية والمالكية والألوهية ) ، وترتبط كلها ارتباطاً مباشراً بتربية الإِنسان ونجاته من براثن الموسوسين . المقصود من الاستعاذة بالله ليس طبعاً ترديد الاستعاذة باللسان فقط ؛ بل على الإِنسان أن يلجأ إليه جلَّ وعلا في الفكر والعقيدة والعمل أيضاً ، مبتعداً عن الطرق الشيطانية ، والأفكار المضللة الشيطانية ، والمناهج والمسالك الشيطانية ، والمجالس والمحافل الشيطانية ، ومتجهاً على طريق المسيرة الرحمانية ، وإلاّ فإن الإِنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان ، لا تكفيه قراءة هذه السّورة ، ولا تكرار ألفاظ الاستعاذة باللسان . على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله { ربّ النّاس } بالاعتراف بربوبية الله تعالى ، وبالانضواء تحت تربيته ؛ وأن يقرن قوله { ملك النّاس } بالخضوع لمالكيته ، وبالطاعة التامة لأوامره ؛ وأن يقرن قوله : { إله النّاس } بالسير على طريق عبوديته ، وتجنب عبادة غيره . ومن كان مؤمناً بهذه الصفات الثلاث ؛ وجعل سلوكه منطلقاً من هذا الإِيمان ، فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين . هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة . . . ثلاث سبل وقاية . . . وثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين ، إنّها تؤمن على مسيرة الإِنسان من الأخطار .