( سورة الناس مدنية ){[1]}
الآية 1 : قوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس } فظاهره أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشيء مشار إليه ، وهو التعوذ ، وفي{[24241]} الإجابة في مثله أن يقول : { قل أعوذ } لكنه ، والله أعلم ، يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك أنزله حتى{[24242]}يصير ذلك أمرا لكل من بلغه ، وتعليما بالذي عليه بالاعتصام بالله تعالى ، والالتجاء إليه ، من شر الذي ذكره ليعيذه . وتكون الإعاذة بوجهين :
أحدهما : في تذكير ما عرفه من الحجج في دفع ما يخطر بباله والمكروه .
والثاني : باللطف الذي لا يبلغه علم الخلق ، ولا تدركه عقولهم ، مما لديه يقع الأمن من الزيغ ، مما حقه الإفضال .
والذي ذلك حقه ( فلله تعالى أن يكرم العبد مبتدأ ، وله أن يقدم فيه محنة السؤال والاعتصام به على الإكرام أيضا ، ويكرم من اعتصم به من الزلة ، أو هدي إلى سنة الشكر لله تعالى ){[24243]} في ما ابتدأه ، أو أكرم به عند السؤال .
والوجه الثاني من وجهي الخطاب أن يكون الخطاب لغيره ، وإن كان راجعا إلى مشار إليه ، فهو مما يشترك في معناه غيره ، فأبقى ، وأثبت ما به يصير مخاطبا من بلغ ذلك ، وهو قوله تعالى : { قل } حتى يدوم هذا إلى آخر الدهر . وعلى ( هذا جميع ما ){[24244]} فيه حرف الكلفة والمحنة ، أعني صيغة الأمر ، والله الموفق .
ثم في قوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس } إلى آخر السورة وجهان من الحكمة فيهما نقض قول أهل الاعتزال :
أحدهما : أن المحنة قد ثبتت بالامتناع عن طاعة الشيطان والمخالفة له . فأما إن كان الله تعالى قد أعطاه ، فهو يطلب ذلك بالتعوذ والاعتصام بالله تعالى ، كاتما لما أعطاه ، طالبا ما ليس عند الله تعالى ، فيكون الأمر بالتعوذ محنة وأمرا بما به كتمان ذلك ، وذلك حين استوفاه بكون إنكاره ستر نعم الله ، وقد تبرأ / 659 ب ن الأمر بالفحشاء والمنكر ، وبين أن ذلك من عمل الشيطان .
( والثاني ){[24245]} في المحنة بهذا محنة الاستهزاء بالله تعالى ؛ لأنه يطلب منه ما يعلم أنه لا يملكه ، ولا يجده عند نفسه ، وذلك من علم الهزء ، وعند ذوي العقول .
فمن ظن أن الله تعالى يمتحن عباده ، ويأمرهم بشيء مما ذكرنا ، فهو جاهل بالله تعالى وبحكمته ، وإن لم يكن الله تعالى أعطاه ، فعنده بعد ذلك .
ثم كان من مذهبهم أنه ليس لله تعالى أن يمتحنهم بفعل إلا بعد إيتاء جميع ما عنده مما قوامه ووجوده ، ففي ذلك اعتراف بلزوم المحنة ، وتوجه التكليف قبل إيتاء جميع ما عنده مما به الوصول إلى ما أمر به ، وذلك ترك مذهبهم مع ما كان عندهم أنه لو كان عند الله أمر ومعنى لا يقع فعل المختار لأجل أنه{[24246]} لا يعطيه ذلك ، لم يكن له أن يمتحنه ، وهو بالامتحان جائر .
فأما إن سألوه بفعل قد أمر به ، وإن لم يكن أعطاهم ذلك ، وهم ما وصفوا الله تعالى بمثل ذلك ، أو بفعل يتلو وقت الأمر بذلك ، ويكون أعطاهم ذلك وقت الأمر ، فكأنه ظن أن يؤمروا ، ولا يعطي حتى يسأل ، وذلك حرف الجور .
ثم الأصل الذي اطمأنت به قلوب الذين يعرفون الله تعالى أنه متى هدى الهداية التي سئل ، أو عصم العصمة التي تطلب ، أو وفق لما يرجى من الفعل ، أو أعان عند ما يخاف أنه كان ذلك ، لا محالة ، وتحقق بلا شبهة ، ويؤمن لديه من الزيغ والضلال ، وعلى ذلك جبلوا مما لا تجد غير معتزلي إلا وقد اطمأن قلبه به ، حتى يعلم أن هذا منه وقع ، المجبول عليه ، بالتقليد ، ولا قوة إلا بالله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.