في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

59

( وإلى ثمود أخاهم صالحاً ، قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . قد جاءتكم بينة من ربكم ، هذه ناقة الله لكم آية ، فذروها تأكل في أرض الله ، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم . واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ، وبوأكم في الأرض ، تتخذون من سهولها قصوراً ، وتنحتون الجبال بيوتاً ، فاذكروا آلاء الله ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين . قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا - لمن آمن منهم - : أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ؟ قالوا : إنا بما أرسل به مؤمنون ، قال الذين استكبروا : إنا بالذي آمنتم به كافرون . فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ، وقالوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين . فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . فتولى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم ، ولكن لا تحبون الناصحين ) . .

وهذه صفحة أخرى من صحائف قصة البشرية ؛ وهي تمضي في خضم التاريخ . وها هي ذي نكسة أخرى إلى الجاهلية ؛ ومشهد من مشاهد اللقاء بين الحق والباطل ، ومصرع جديد من مصارع المكذبين .

( وإلى ثمود أخاهم صالحاً . قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . .

ذات الكلمة الواحدة التي بها بدأ هذا الخلق وإليها يعود . وذات المنهج الواحد في الاعتقاد والاتجاه والمواجهة والتبليغ . .

ويزيد هنا تلك المعجزة التي صاحبت دعوة صالح ، حين طلبها قومه للتصديق :

( قد جاءتكم بينة من ربكم ، هذه ناقة الله لكم آية ) . .

والسياق هنا ، لأنه يستهدف الاستعراض السريع للدعوة الواحدة ، ولعاقبة الإيمان بها وعاقبة التكذيب ، لا يذكر تفصيل طلبهم للخارقة ، بل يعلن وجودها عقب الدعوة . وكذلك لا يذكر تفصيلاً عن الناقة أكثر من أنها بينة من ربهم ، وأنها ناقة الله وفيها آية منه ، ومن هذا الإسناد نستلهم أنها كانت ناقة غير عادية ، أو أنها أخرجت لهم إخراجاً غير عادي . مما يجعلها بينة من ربهم ، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى ، ويجعلها آية على صدق نبوته . . ولا نزيد على هذا شيئاً مما لم يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن - وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر - فنمضي نحن مع النصوص ونعيش في ظلالها :

( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) . .

إنها ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض الله ، وإلا فهو النذير بسوء المصير . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

{ وإلى ثمود } قبيلة أخرى من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح . وقيل سموا به لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل . وقرئ مصروفا بتأويل الحي أو باعتبار الأصل ، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى . { أخاهم صالحا } صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود . { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم } معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي وقوله : { هذه ناقة الله لكم آية } استئناف لبيانها ، وآية نصب على الحال والعامل فيها معنى الإشارة ، ولكم بيان لمن هي له آية ، ويجوز أن تكون { ناقة الله } بدلا أو عطف بيان ولكم خبرا عاملا في { آية } ، وإضافة الناقة إلى الله لتعظيمها ولأنها جاءت من عنده بلا وسائط وأسباب معهودة ولذلك كانت آية . { فذروها تأكل في أرض الله } العشب . { ولا تمسّوها بسوء } نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى مبالغة في الأمر وإزاحة للعذر . { فيأخذهم عذاب أليم } جواب للنهي .