تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

الآية 73 وقوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحا } قد ذكرنا أنه تحتمل الأخوّة وجوها أربعة : أخوّة النسب وأخوّة الجوهر والشكل على ما يقال : هذا أخو هذا ، إذا كان من جوهره{[8571]} وشكله ، وأخوّة المودة والخلّة ، وأخوّة الدين .

ثم يحتمل أن يكون{[8572]} ذكر من أخوّة صالح [ أنه ]{[8573]} كان أخاهم{[8574]} في النسب أو في الجوهر على ما ذكر في هود ، ولا يحتمل أن يكون في المودة والدين . وأما أخوّة النسب فإنها{[8575]} تحتمل لما ذكرنا أن بني آدم كلهم إخوة ، وإن [ لم ]{[8576]} يعدّوا ؛ [ هم من أولاده ]{[8577]} .

وقوله تعالى : { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } قد ذكرنا أن الرسل بأجمعهم ، صلوات الله عليهم ، إنما بعثوا ليدعوا الخلق إلى وحدانية الله والعبادة له ؛ إذ لا معبود سواه ، يستحق العبادة من الخلق .

وقوله تعالى : { قد جاءتكم بيّنة من ربكم } قيل فيه بوجهين : قيل : { بيّنة من ربكم }ما ذكر من الناقة جعلها الله تعالى آية لرسالة صالح ، وهو [ قوله تعالى ]{[8578]} : { هذه ناقة الله لكم آية } وقيل : { بيّنة من ربكم } آيات ظهرت لهم على لسان صالح ، وجرت على يديه ، تدل{[8579]} على رسالة{[8580]} صالح ونبوّته . لكنهم كابروا تلك الآيات في التكذيب ، وعاندوا .

وقوله تعالى : { هذه ناقة الله لكم آية } وجه تخصيص إضافة تلك الناقة إلى الله يحتمل وجوها ، وإن كانت النّوق كلها لله في الحقيقة :

أحدها : لما خصّت تلك بتذكير عبادته تعالى إياهم ووحدانيته تعظيما لها على ما خصّت المساجد بالإضافة إليه بقوله تعالى : { وأن المساجد لله } [ الجن : 18 ] لما جعلت تلك البقاع لإقامة عبادة الله ، خصّت بالإضافة إليه لما جعلها الله آية من آياته خارجة عن غيرها من النوق ، مخالفة بنيتها بنية غيرها : إما [ في ]{[8581]} خلقة ، وإما في ابتداء إحداثها وإنشائها ، أو في أي شيء كان ، فأضافها إليه لذلك ، والله أعلم .

ثم لا يجب أن يتكلف المعنى الذي له جعل الناقة آية ؛ لأنه ، جل ، وعلا ، لم يبيّن لنا ذلك المعنى ، فلو تكلّف ذكر ذلك فلعلة يخرّج على خلاف ما كان في الكتب الماضية ؛ فهذه القصص وأخبار الأمم الماضية إنما ذكرت في القرآن لتكون آية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلو ذكرت على خلاف ما كان لهم في ذلك مقال .

ويحتمل معنى الإضافة إليه وجها آخر ؛ وهو أنه لم يجعل منافع هذه الناقة لهم ، ولا جعل عليهم مؤنتها ، بل أخبر أن { فذروها تأكل في أرض الله } جعل مؤنتها في ما يخرج من الأرض ، وليس كسائر النوق التي جعل مؤنتها عليهم ومنافعها لهم بإزاء ما جعل /179-أ/ عليهم من المؤن . فمعنى التخصيص بالإضافة إليه لما لم يشرك [ في مؤنتها ]{[8582]} أحدا ولا في منافعها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فذروها تأكل في أرض الله } دلالة أن تلك الناقة كان غذاؤها مثل غذاء سائر النوق ، وإن كانت خارجة عن طباع سائر النوق من جهة الآية ليعلم أنها ، وإن كانت آية لرسالته ودلالة للنبوة فتشابهها لسائر النوق في هذه الجهة ، لا يخرجها عن حكم الآية . فعلى ذلك الرسل ، وإن كانوا ساووا غيرهم من الناس في المطعم والغذاء ، لا يمنع ذلك من أن يكونوا رسلا ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { ولا تمسّوها بسوء } يحتمل : لا تتعرضوا لها قتلا ولا قطعا ولا عقرا لما ليست هي لكم{[8583]} { فيأخذكم عذاب أليم } وفي مواضع أخر [ كقوله تعالى ]{[8584]} : { فيأخذكم عذاب قريب } [ هود : 64 ] فهذا يدل على أنه إنما أراد بالعذاب الأليم عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة ؛ لأنه قد يأخذهم عذاب الآخرة بكفرهم ؛ فالوعيد بأخذ العذاب لهم في الدنيا ، والله أعلم .


[8571]:من م، في الأصل: جوهر.
[8572]:في م: يكونها.
[8573]:ساقطة من الأصل وم.
[8574]:في الأصل وم: أخوهم.
[8575]:في الأصل وم: فإنه.
[8576]:ساقطة من الأصل وم.
[8577]:في الأصل وم: لأنهم من أولادهم.
[8578]:ساقطو من الأصل وم.
[8579]:أدرج قبلها في الأصل وم: ما.
[8580]:من م، في الأصل: رسالته.
[8581]:ساقطة من الأصل وم.
[8582]:في الأصل وم: فيها.
[8583]:في الأصل وم: لهم.
[8584]:ساقطة من الأصل وم.