التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم 73 واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا الآلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين 74 قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسلا من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون 75 قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون 76 فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين 77 فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين } .

ثمود اسم عربي بمعنى الماء القليل . ثمد الماء : قل . وثمد الماء على النصب ؛ إي استنبطه من الأرض . وقد ورد فيه الصرف وعدمه . أما الصرف ؛ فلأنه اسم للقليل من الماء . وأما عدم الصرف : فهو باعتباره اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث{[1453]} .

وثمود قبيلة العرب العاربة جاءوا بعد عاد وهم من سلالة سام بن نوح . ومساكنهم فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله . وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع للهجرة . وكانت ثمود في سعة من المعايش . ولكنهم كانوا ظالمين مشركين ؛ إذ عبدوا الأصنام وأفسدوا في الأرض إفسادا ، فبعث الله إليهم صالح نبيا ورسولا منهم . وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا . فدعاهم إلى عبادة الله وحده وهجر الأصنام والشرك ، فلم يطعه منهم إلا قليلون مستضعفون{[1454]} .

وهذا تأويل قوله سبحانه : { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } .

قوله : { قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية } البينة هنا يراد بها آية أو معجزة ظاهرة تشهد على صدق نبوة صالح عليه السلام . والمعجزة هي في قوله تعالى : { هذه ناقة الله لكم آية } وآية منصوب على الحال . لما دعا صالح ثمودا إلى التوحيد ونبذ الأصنام والشرك سألوه أن يخرج لهم ناقة من جوف الصخر الصلد ليؤمنوا به ويصدقوه ويشهدوا أن ما جاءهم به حق . فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن تحقق ذلك ليصدقنه وليؤمنن به . قالوا : نعم . فأعطوه على ذلك عهودهم ، فدعا صالح ربه أن يخرج لهم ناقة من تلك الهضبة كما وصفوا ، فاستجاب الله لنبيه صالح وانصدعت الهضبة الصلدة الصماء عن ناقة عظيمة كما سألوا . فرأوها عيانا ويقينا . وكان لها يوم تشرب فيه الماء . ولهم الشرب في اليوم الثاني ، ثم تعطيهم اللبن الكثير فيشربون ما يشاءون ويدخرون . فالماء بذلك نصفان ، لها يوم ولهم يوم .

قوله : { فذروها تأكل في أرض والله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } أمرهم نبيهم صالح أن يتركوا الناقة تأكل من النبات الأرض وهي ليست أرضهم وما فيها من الكلأ إن هو إلا من تخليق الله وهو ليس مملوكا لهم . ونهاهم أيضا عن إيذائها أيما إيذاء . وقد توعدهم بأشد العذاب من الله إذا مسوها بسوء ، فمكث الناقة ترعى الكلأ مدة من الوقت حتى حانت ساعة الشر والمكر ؛ إذ تحركت في القوم بواعث الشر والأذى ، ونزعت نفوسهم المهينة الكزة إلى العصيان اللئيم الفاجر ، وزين لهم الشيطان فعل السوء والمنكر وهو أن يقتلوا الناقة ظلما وعدونا . . فقتلوها . وذلك بعد أن أبوا أن يؤمنوا لنبيهم صالح ؛ إذ نكثوا العهد الذي كانوا قطعوه على أنفسهم بالإيمان والتصديق . ولجوا في العتو والإجرام حتى عقروا الناقة وهي آية لهم من الله . لا جرم أن ذلك دأب اللئام من البشر الغيظ . هؤلاء الأشرار القساة الذين لا يعطف قلوبهم عن اللؤم إحسان يبذله لهم أهل البر والخير . وما كان ينبغي للمستفيد من الخير والمبذول إلا إبداء والرقة والإقرار بالمعروف والجميل للمحسنين الكرام . لكن الخسيس من الناس الذي جبل على اللؤم وكزازة الطبع يأبى إلا النسيان المصطنع ، والجحود الممجوج .


[1453]:القاموس المحيط جـ 1 ص 290 والمعجم الوسيط جـ 1 ص 100.
[1454]:تفسير ابن كثير جـ 2 ص 227 وروح المعاني جـ 8 ص 162.