بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

قوله تعالى :

{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } يعني : أرسلنا إلى ثمود نبيهم صالحاً قال بعضهم : { ثمود } اسم القرية . وقال بعضهم : { ثمود } اسم القبيلة وأصله في اللغة الماء القليل . ويقال : كانت بئراً بين الشام والحجاز . ويقال : هي عين يخرج منها ماء قليل في تلك الأرض ويقال لها أرض الحِجر كما قال في آية أُخرى { وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين } [ الحجر : 80 ] وقال بعضهم : كان في تلك القرية أهل تسعمائة بيت . وقال بعضهم : ألف وخمسمائة ، فأتاهم صالح ودعاهم إلى الله سنين كثيرة فكذبوه وأرادوا قتله فخرجوا إلى عبد لهم ، فأتاهم صالح ودعاهم إلى الله تعالى . فقالوا له : إن كنت نبياً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عَشَرَاء حتى نؤمن بك ونصدقك فقام صالح وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فتحركت الصخرة وانصدعت عن ناقة عشراء ذات زغب فلم يؤمنوا به فولدت الناقة ولداً وقال بعضهم خرج ولدها خلفها من الصخرة . فصارت الناقة بلية ومحنة عليهم ، وكانت من أعظم الأشياء فتأتي مراعيهم فتنفر منها دوابهم . وتأتي العين وتشرب جميع ما فيها من الماء . فجعل صالح الماء قسمة بينهم يوماً للناقة ، ويوماً لأهل القرية ، فإذا كان اليوم الذي تشرب الناقة لا يحضر أحد العين وكانوا يحلبونها في ذلك اليوم مقدار ما يكفيهم ، وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . فاجتمعوا لقتل الناقة فقال لهم صالح : لا تفعلوا فإنكم إذا قتلتموها يأتيكم العذاب فجاؤوا ووقفوا على طريق الناقة فلما مرت بهم الناقة متوجهة إلى العين رماها واحد منهم يقال له مصدع بن وهر فأصابت السهم رجل الناقة فلما رجعت الناقة من العين خرج قدار بن سالف وهو أشقى القوم كما قال الله تعالى { إِذِ انبعث أشقاها } [ الشمس : 12 ] فضربها بالسيف ضربة فقتلها وقسموا لحمها على أهل القرية .

وروي عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال : لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد جبلاً وقال ثلاث مرات أين أمي أين أمي أين أمي ؟ فأخبر بذلك صالح فقال يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام . فقالوا : وما العلامة في ذلك ؟ فقال : أن تصبحوا في اليوم الأول وجوهكم مصفرة ، وفي اليوم الثاني وجوهكم محمرة ، وفي اليوم الثالث وجوهكم مسودة . ثم خرج صالح من بين أظهرهم مع من آمن منهم فأصبحوا في اليوم الأول وجعل يقول بعضهم لبعض : قد اصفر وجهك ، وفي اليوم الثاني يقول بعضهم لبعض : قد احمر وجهك ، وفي اليوم الثالث يقول بعضهم لبعض : قد اسود وجهك . فأيقنوا جميعاً الهلاك . فجاء جبريل عليه السلام وصاح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم ، ويقال : قد أتتهم النار فأحرقتهم فذلك قوله تعالى : { قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا الله } أي : وحدوا الله { ما لكم من إله غيره } قد ذكرناه { قَدْ جَاءَتكُمْ بَيِّنَةً مِنْ رَبِّكُمْ } يقول : قد أتيتكم بعلامة نبوتي وهي الناقة كما قال الله تعالى : { هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً } أي علامة لنبوتي لكي تعتبروا وتوحّدوا الله ربكم { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله } يقول : دعوها ترتع في أرض الحجر { وَلا تَمَسُّوها بِسوءٍ } يقول : لا تعقروها { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وهو ما عذبوا به .