الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ ٱللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (73)

قوله : { وإلى ثمود أخاهم صالحا }[ 73 ] ، الآية .

المعنى : وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ، وسمي أخاهم ؛ لأنه بشر مثلهم{[24203]} .

وقيل : سمي أخاهم ؛ لأنه من عشيرتهم{[24204]} .

وثمود{[24205]} : قبيلة أبوهم ثمود{[24206]} بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وكانت مساكنهم : الحجر ، بين الحجاز والشام ، إلى وادي القرى [ وما حوله{[24207]} ] .

قال لهم{[24208]} : { يا قوم اعبدوا ( الله ){[24209]} }[ 73 ، ما لكم من يجب أن تعبدوه إلا الله{[24210]} ، { قد جاءتكم بينة من ربكم }[ 73 ] ، أي : حجة وبرهان على صدق ما أقول لكم{[24211]} ، { هذه ناقة الله لكم آية }[ 73 ] ، أي : دليل على صدق ما جئتكم به{[24212]} .

وإضافة الناقة إلى الله ، جل ذكره ، على طريق إضافة الخلق إلى الخالق ، وهو مثل قوله : { ونفخت فيه من روحي{[24213]} } ؛ لأن الروح خلق الله ( عز وجل{[24214]} ) ، لكن في إضافة الناقة إلى الله ( سبحانه ) معنى التشريف والتخصيص ، والتحذير من أن يصيبوها بسوء . وهو في التخصيص كقولهم : " بيت الله " ، و " عباد الرحمن " ، فكله فيه معنى التشريف والتفضيل ( والتخصيص ) ، إضافة خلق إلى خالق ، كقولهم : " خلق الله " ، و " أرض الله " و " سماء الله " وهو كثير{[24215]} .

وذلك أنهم سألوه آية ، [ أي{[24216]} : ] حجة على صدق ما جاءهم به ، حكى الله عنهم أنهم قالوا : { فات بآية إن كنت من الصادقين{[24217]} } .

روي{[24218]} أنهم/سألوا صالحا آية ، فقالوا{[24219]} : أخرج لنا من الجبل ناقة عُشَرَاءَ{[24220]} ، وهي الحامل ، فتضع فصيلا ، ثم تغدوا إلى هذا الماء فتشربه{[24221]} ، ثم تغدو علينا بمثله لبنا سائغا عذبا طيبا ، فأجاب الله ( تعالى{[24222]} ) صالحا ( عليه السلام{[24223]} ) فيما سألوه{[24224]} . فقال لهم صالح : اخرجوا إلى الهضبة من الأرض ، فخرجوا ، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسطها الناقة ، فقال لهم : { هذه ناقة [ الله ]{[24225]} لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء }[ 73 ] ، { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم{[24226]} } فلما ملوها عقروها ، فقال لهم : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب{[24227]} } ، وآية العذاب أن تصبحوا غدا حُمْرا ، واليوم الثاني ، صُفرا ، والثالث سُودا . فلما رأوا{[24228]} علامة ذلك تحنطوا واستعدوا{[24229]} .

قال السدي : كانت تأتيهم يوم شربها فتقف لهم حتى يَحلُبُوا{[24230]} اللبن فترويهم{[24231]} ، إنما تصب صبا وكان معها فصيل لها ، فقال لهم صالح ( عليه السلام{[24232]} ) : إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر ، فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر ، وكان لم يولد له قط فتركه ، وكان أزرق أحمر فنبت نباتا سريعا ، فإذا مر بالتسعة قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا ! فغضبوا على صالح ؛ لأنه أمرهم بذبح أبنائهم ف : { تقاسموا } ، أي : تحالفوا{[24233]} ، { لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله{[24234]} } ، وذلك أنهم قالوا : نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر ، فنأتي الغار فنكون فيه ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد ، أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه ثم رجعنا فقلنا : { ما شهدنا مهلك أهله } ، فيصدقوننا ، فخرجوا فدخلوا الغار ، فلما أرادوا أن يخرجوا في الليل سقط عليهم الغار فقتلهم ، وهو قوله : { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون{[24235]} } ، وقوله : { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ( وهم لا يشعرون ){[24236]} فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم{[24237]} } ، أي : أهلكناهم ، فكبر الغلام ابن العاشر ، فجلس مع أناس يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجون شرابهم به ، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة ، فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتد [ ذلك{[24238]} ] عليهم ، وتكلموا في شأن الناقة ، وقالوا : لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا ، كان خيرا لنا ! ، فقال الغلام ابن العاشر : هل لكم في أن أعقرها{[24239]} لكم ؟ قالوا : نعم فأتاها الغلام فشد{[24240]} عليها فلما بصُرت به شدت عليه ، فهرب منها ، فلما رأى ذلك دخل خلف صخرة على طريقها ، فاستتر بها ، وقال : أحيشوها{[24241]} عليّ ! فلما جازت به{[24242]} ، نادوه : عليك ! فتناولها فعقرها ، فسقطت ، فذلك قوله : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر{[24243]} } فأظهروا أمرهم ، وقالوا : { يا صالح ايتنا بما تعدنا }[ 76 ] ، وفزع ناس إلى صالح ، فأعلموه أن الناقة قد عُقرت ، فقال : علي بالفصيل ! فطلبوه{[24244]} فوجدوه على رابية من الأرض ، فطلبوه ، فارتفعت به حتى حلقت به{[24245]} في السماء ، فلم يقدروا عليه . ثم رغا{[24246]} الفصيل إلى الله ( عز وجل{[24247]} ) فأوحى الله ( عز وجل{[24248]} ) إلى صالح ( عليه السلام{[24249]} ) : أن مُرهم{[24250]} أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام{[24251]} .

قال قتادة : قال عاقر الناقة لهم : لا أقتلها{[24252]} حتى ترضوا أجمعين فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها{[24253]} فيقولون : ترضين{[24254]} ؟ فتقول : نعم ! وكذلك الصبي حتى رضوا أجمعين{[24255]} فعقروها{[24256]} .

وصالح النبي [ عليه السلام ]{[24257]} ، هو : صالح بن عبيد بن عابر بن إِرَم{[24258]} بن سام بن نوح{[24259]} .

قال وهب : بعثه الله إلى قومه حين راهَقَ{[24260]} الحلم ، وارتحل صالح بمن كان معه إلى مكة محرمين فأقاموا بها حتى ماتوا ، فقبورهم بين دار الندوة والحجر{[24261]} .

روي أنه كان بين موت هود وصالح ، صلوات الله عليهما{[24262]} ، وأكثر من خمس مائة سنة .


[24203]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/348، وتمام كلامه: "من ولد أبيهم آدم، وهو أرجح عليهم".
[24204]:المصدر نفسه، بلفظ: "وجائز أن يكون أخاهم؛ لأنه من قومهم، ليكون أفهم، لهم بأن يأخذوا عن رجل منهم". وانظر: تفسير القرطبي 7/150.
[24205]:في الأصل: "وثماد"، وهو تحريف. قال الزجاج، معاني القرآن وإعرابه 2/348: "وثمود في كتاب الله مصروف وغير مصروف، فأما المصروف فقوله: {ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود}، (هود). الثاني غير مصروف، فالذي صرفه جعله اسما للحي، فيكون مذكرا سمي به مذكر، ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة". وانظر: تفسير القرطبي 7/152.
[24206]:انظر: المصدر السابق.
[24207]:زيادة من جامع البيان 12/524، الذي نقل عنه مكي.
[24208]:لهم، لحق في ج.
[24209]:من ج.
[24210]:جامع البيان 12/525، بتصرف.
[24211]:جامع البيان 12/525، بإيجاز.
[24212]:المصدر نفسه بإيجاز.
[24213]:الحجر: 29، وص: آية 71 وتمامها: {فقعوا له ساجدين}.
[24214]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[24215]:انظر تفسير القرطبي 7/152، والبحر المحيط 4/331.
[24216]:زيادة من ج.
[24217]:الشعراء: 154.
[24218]:في ج: وروي.
[24219]:في الأصل: فقولوا، وهو تحريف.
[24220]:"عُشَرَاء" كفقهاء، وهي الناقة التي أتى عليها من وقت الحمل عشرة أشهر. المختار/عشر.
[24221]:في الأصل: فتشرب، وأثبت ما في ج.
[24222]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[24223]:انظر: المصدر السابق.
[24224]:في ج: سألوا.
[24225]:من ج.
[24226]:الشعراء: 155.
[24227]:هود: 64.
[24228]:في الأصل: رأى، وصوابه من ج، وجامع البيان.
[24229]:جامع البيان 12/525، 526 بتصرف.
[24230]:في الأصل: يحتلبوا، وأثبت ما في ج، وجامع البيان.
[24231]:في الأصل: فترونهم، وهو تصحيف محض.
[24232]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[24233]:مختصر تفسير الطبري للتجيبي 2/54.
[24234]:النمل: 51، وتمامها: {وإنا لصادقون}.
[24235]:النمل: 50.
[24236]:ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
[24237]:النمل: 53، وتمامها: {وقومهم أجمعين}.
[24238]:زيادة من جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[24239]:في الأصل: أن عقرها لكم، وصوابه من ج، وجامع البيان.
[24240]:في الأصل: فسد، وهو تصحيف. وفي ج، أحسبه "فشد".
[24241]:في الأصل: أحبسوها، وفي ج، عسرت الأرضة والرطوبة قراءتها. وأثبت ما في جامع البيان الذي نقل عنه مكي. وفي هامش الشيخ محمود شاكر: "حاش عليه الصيد حوشا وحياشا"، و"أحاشه عليه"، إذا نفره نحوه، وساقه إليه، وجمعه عليه.
[24242]:في الأصل: جازت له، وصوابه من ج، وجامع البيان.
[24243]:القمر: 29. ومن هنا تبدأ نسخة "ز".
[24244]:في ج: وطلبوه.
[24245]:به، لحق في ج.
[24246]:في الأصل، ور، دعا. وأثبت ما في ج.
[24247]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[24248]:ما بين الهلالين ساقط من ج، و ر.
[24249]:ما بين الهلالين ساقط من ج. وفي ر: صلى الله عليه وسلم.
[24250]:في الأصل: أمرهم، وهو تحريف. وصوابه من ر، وجامع البيان، وفي ج: أن يأمرهم.
[24251]:انظر: جامع البيان 12/526، 527، بتصرف.
[24252]:لا أقتلها، لحق في ج.
[24253]:خدرها، مصححة في هامش الأصل، وفوقها حرف "ظ"، إشارة إلى كلمة "الظاهر"، كما في تحقيق النصوص لهارون 52.
[24254]:في ج: أترضين؟
[24255]:في ج: أجمعون، وكذلك ورد في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/231.
[24256]:في ج، ور: "فعقرها". قال ابن كثير في تفسيره 2/228: "وقال: {فعقروا الناقة}[76]، فأسند ذلك على مجموع القبيلة فدل على رضى جميعهم بذلك، والله أعلم". والأثر، ورد مختصرا، في تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/231، وجامع البيان 12/537.
[24257]:في ر: وهي ساقطة من ج.
[24258]:في الأصل: بن ءادم، وأثبت ما في ج، ور، والمحرر الوجيز.
[24259]:انظر: المحرر الوجيز 2/421، وفيه: "كذا ذكره مكي".
[24260]:في الأصل: وهو، تحريف محض، وصوابه من "ج" و"ر"، والمحرر الوجيز 2/421. و"راهق" الغلام فهو "مراهق"، أي: قارب الاحتلام. المختار/رهق.
[24261]:في ر: الحجدر، وليس بشيء. والأثر أورده ابن عطية في المحرر 2/421. والحِجر، بكسر أوله: حطيم الكعبة، وهو المدار بالبيت. انظر: معجم ما استعجم 1/426، 427.
[24262]:في ر، صلى الله عليهما وسلم، وهي ساقطة من ج.