قوله : { وإلى ثمود أخاهم صالحا }[ 73 ] ، الآية .
المعنى : وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ، وسمي أخاهم ؛ لأنه بشر مثلهم{[24203]} .
وقيل : سمي أخاهم ؛ لأنه من عشيرتهم{[24204]} .
وثمود{[24205]} : قبيلة أبوهم ثمود{[24206]} بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وكانت مساكنهم : الحجر ، بين الحجاز والشام ، إلى وادي القرى [ وما حوله{[24207]} ] .
قال لهم{[24208]} : { يا قوم اعبدوا ( الله ){[24209]} }[ 73 ، ما لكم من يجب أن تعبدوه إلا الله{[24210]} ، { قد جاءتكم بينة من ربكم }[ 73 ] ، أي : حجة وبرهان على صدق ما أقول لكم{[24211]} ، { هذه ناقة الله لكم آية }[ 73 ] ، أي : دليل على صدق ما جئتكم به{[24212]} .
وإضافة الناقة إلى الله ، جل ذكره ، على طريق إضافة الخلق إلى الخالق ، وهو مثل قوله : { ونفخت فيه من روحي{[24213]} } ؛ لأن الروح خلق الله ( عز وجل{[24214]} ) ، لكن في إضافة الناقة إلى الله ( سبحانه ) معنى التشريف والتخصيص ، والتحذير من أن يصيبوها بسوء . وهو في التخصيص كقولهم : " بيت الله " ، و " عباد الرحمن " ، فكله فيه معنى التشريف والتفضيل ( والتخصيص ) ، إضافة خلق إلى خالق ، كقولهم : " خلق الله " ، و " أرض الله " و " سماء الله " وهو كثير{[24215]} .
وذلك أنهم سألوه آية ، [ أي{[24216]} : ] حجة على صدق ما جاءهم به ، حكى الله عنهم أنهم قالوا : { فات بآية إن كنت من الصادقين{[24217]} } .
روي{[24218]} أنهم/سألوا صالحا آية ، فقالوا{[24219]} : أخرج لنا من الجبل ناقة عُشَرَاءَ{[24220]} ، وهي الحامل ، فتضع فصيلا ، ثم تغدوا إلى هذا الماء فتشربه{[24221]} ، ثم تغدو علينا بمثله لبنا سائغا عذبا طيبا ، فأجاب الله ( تعالى{[24222]} ) صالحا ( عليه السلام{[24223]} ) فيما سألوه{[24224]} . فقال لهم صالح : اخرجوا إلى الهضبة من الأرض ، فخرجوا ، فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسطها الناقة ، فقال لهم : { هذه ناقة [ الله ]{[24225]} لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء }[ 73 ] ، { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم{[24226]} } فلما ملوها عقروها ، فقال لهم : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب{[24227]} } ، وآية العذاب أن تصبحوا غدا حُمْرا ، واليوم الثاني ، صُفرا ، والثالث سُودا . فلما رأوا{[24228]} علامة ذلك تحنطوا واستعدوا{[24229]} .
قال السدي : كانت تأتيهم يوم شربها فتقف لهم حتى يَحلُبُوا{[24230]} اللبن فترويهم{[24231]} ، إنما تصب صبا وكان معها فصيل لها ، فقال لهم صالح ( عليه السلام{[24232]} ) : إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر ، فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر ، وكان لم يولد له قط فتركه ، وكان أزرق أحمر فنبت نباتا سريعا ، فإذا مر بالتسعة قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا ! فغضبوا على صالح ؛ لأنه أمرهم بذبح أبنائهم ف : { تقاسموا } ، أي : تحالفوا{[24233]} ، { لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله{[24234]} } ، وذلك أنهم قالوا : نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر ، فنأتي الغار فنكون فيه ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد ، أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه ثم رجعنا فقلنا : { ما شهدنا مهلك أهله } ، فيصدقوننا ، فخرجوا فدخلوا الغار ، فلما أرادوا أن يخرجوا في الليل سقط عليهم الغار فقتلهم ، وهو قوله : { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون{[24235]} } ، وقوله : { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ( وهم لا يشعرون ){[24236]} فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم{[24237]} } ، أي : أهلكناهم ، فكبر الغلام ابن العاشر ، فجلس مع أناس يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجون شرابهم به ، وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة ، فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتد [ ذلك{[24238]} ] عليهم ، وتكلموا في شأن الناقة ، وقالوا : لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا ، كان خيرا لنا ! ، فقال الغلام ابن العاشر : هل لكم في أن أعقرها{[24239]} لكم ؟ قالوا : نعم فأتاها الغلام فشد{[24240]} عليها فلما بصُرت به شدت عليه ، فهرب منها ، فلما رأى ذلك دخل خلف صخرة على طريقها ، فاستتر بها ، وقال : أحيشوها{[24241]} عليّ ! فلما جازت به{[24242]} ، نادوه : عليك ! فتناولها فعقرها ، فسقطت ، فذلك قوله : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر{[24243]} } فأظهروا أمرهم ، وقالوا : { يا صالح ايتنا بما تعدنا }[ 76 ] ، وفزع ناس إلى صالح ، فأعلموه أن الناقة قد عُقرت ، فقال : علي بالفصيل ! فطلبوه{[24244]} فوجدوه على رابية من الأرض ، فطلبوه ، فارتفعت به حتى حلقت به{[24245]} في السماء ، فلم يقدروا عليه . ثم رغا{[24246]} الفصيل إلى الله ( عز وجل{[24247]} ) فأوحى الله ( عز وجل{[24248]} ) إلى صالح ( عليه السلام{[24249]} ) : أن مُرهم{[24250]} أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام{[24251]} .
قال قتادة : قال عاقر الناقة لهم : لا أقتلها{[24252]} حتى ترضوا أجمعين فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها{[24253]} فيقولون : ترضين{[24254]} ؟ فتقول : نعم ! وكذلك الصبي حتى رضوا أجمعين{[24255]} فعقروها{[24256]} .
وصالح النبي [ عليه السلام ]{[24257]} ، هو : صالح بن عبيد بن عابر بن إِرَم{[24258]} بن سام بن نوح{[24259]} .
قال وهب : بعثه الله إلى قومه حين راهَقَ{[24260]} الحلم ، وارتحل صالح بمن كان معه إلى مكة محرمين فأقاموا بها حتى ماتوا ، فقبورهم بين دار الندوة والحجر{[24261]} .
روي أنه كان بين موت هود وصالح ، صلوات الله عليهما{[24262]} ، وأكثر من خمس مائة سنة .