أخرج أبو الشيخ عن مطلب بن زياد قال : سألت عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ ؟ قال : الأخ في الدار ، إلا ترى قول الله { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } .
وأخرج سنيد وابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن أبي بكر عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « كانت ثمود قوم صالح ، أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتاً فنحتوها وجابوها وخرقوها ، وكانوا في سعة من معايشهم فقالوا : يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله . فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوماً وشربهم يوماً معلوماً ، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن السماء وحلبوها لبناً ملأوا كل إناء ووعاء وسقاء ، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئاً فملأوا كلَّ إناء ووعاء وسقاء .
فأوحى الله إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك . فقال لهم : فقالوا : ما كنا لنفعل . . . ! فقال لهم : أن لا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : فما علامة ذلك المولود ، فوالله لا نجده إلا قتلناه ؟ قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر . وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن يرغب به عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بينهما مجلس فقال أحدهما لصاحبه : ما يمنعك أن تزوج ابنك ؟ قال : لا أجد له كفؤا ، قال : فإن ابنتي كفء له فانا أزوجك . فزوجه ، فولد بينهما مولود . وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح : إنما يعقرها مولود فيكم . اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهن شرطاً كانوا يطوفون في القرية فإذا نظروا المرأة تمخض نظروا ما ولدها ؟ إن كان غلاماً قلبنه فنظرن ما هو ؟ وإن كانت جارية أعرضن عنها .
فلما وجدوا ذلك المولود صرخت النسوة : هذا الذي يريد صالح رسول الله ، فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وقالوا : لو أن صالحاً أراد هذا قتلناه ، فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة ، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان ، فقالوا : استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه فكانوا تسعة ، وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، كان يبيت في مسجده ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى إلى مسجده فبات فيه .
قال حجاج ، وقال ابن جريج : لما قال لهم صالح : إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه قالوا : فكيف تأمرنا ؟ قال : آمركم بقتلهم : فقتلوهم إلا واحداً قال : فلما بلغ ذلك المولود قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالح ، فأتمروا بينهم بقتله وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن ، فاقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم فأصبحوا رضخاً ، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ ، فرجعوا يصيحون في القرية : أي عباد الله أما رضي صالح إن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم ؟ ! فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعين ، وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر .
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأرادوا أن يمكروا بصالح ، فمشوا حتى أتوا على شرب طريق صالح فاختبأ في ثمانية ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم ، فأمر الله الأرض فاستوت عليهم ، فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقي لأحدهم ، ائتها فاعقرها . فاتاها فتعاظمه ذلك فاضرب عن ذلك ، فبعث آخر فأعظمه ذلك ، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها فوقعت تركض ، فرأى رجل منهم صالحاً فقال : أدرك الناقة فقد عقرت . فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا .
قال : فانظروا هل تدركون فصليها ؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلاً يقال له القارة قصير ، فصعد وذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل ، فطال في السماء حتى ما تناله الطير ، ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحاً فرغا رغوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى فقال صالح لقومه : لكل رغوة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ، إلا أن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها قد طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعاً ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا .
وكان حنوطهم الصبر والمغر وكانت أكفانهم الانطباع ، ثم ألقوا أنفسهم بالأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة فلا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، من فوقهم من السماء أم من تحت أرجلهم من الأرض خسفاً أو قذفاً ، فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين » .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الطفيل قال : قال ثمود لصالح : ائتنا بآية إن كنت من الصادقين . قال : اخرجوا ، فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها ، فقال لهم صالح { هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } فلما ملوها عقروها { فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } [ هود : 65 ] .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة . أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة : تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم : آية عذابكم أن تصبح وجوهكم غداً مصفرة ، وتصبح اليوم الثاني محمرة ، ثم تصبح الثالث مسودة . فأصبحت كذلك . . . ! فما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك ، فتكفنوا وتحنطوا ، ثم أخذتهم الصيحة فاهمدتهم . وقال عاقر الناقة : لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين . فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون : ترضين . . . ؟ فتقول : نعم والصبي ، حتى رضوا أجمعين فعقروها .
وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب الناس فقال : يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات ، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله إليهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعداً من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلاً كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله . فقيل : يا رسول الله من هو ؟ قال : أبو رغال . فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن الطفيل مرفوعاً . مثله .
وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي كبشة الأنماري قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع قوم إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فنودي في الناس ، إن الصلاة جامعة ؛ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول « علام يدخلون على قوم غضب الله عليهم ؟ فقال رجل : نعجب منهم يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم ، استقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً ، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة . أن ثمود لما عقروا الناقة تغامزوا وقالوا : عليكم الفصيل . فصعد الفصيل القارة جبلاً حتى إذا كان يوماً استقبل القبلة وقال : يا رب أمي ، يا رب أمي ، يا رب أمي ، فأرسلت عليهم الصيحة عند ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : لما عقرت الناقة صعد بكرها فوق جبل فرغا ، فما سمعه شيء إلا همد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : لما قتل قوم صالح الناقة قال لهم صالح : أن العذاب آتيكم . قالوا له : وما علامة ذلك ؟ قال : إن تصبح وجوهكم أول يوم محمرة ، وفي اليوم الثاني مصفرة ، وفي اليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا أول يوم احمرت وجوههم ، فلما كان اليوم الثاني اصفرت وجوههم ، فلما كان اليوم الثالث أصبحت وجوههم مسودة ، فأيقنوا بالعذاب فتحنطوا وتكفنوا وأقاموا في بيوتهم ، فصاح بهم جبريل صيحة فذهبت أرواحهم .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : إن الله بعث صالحاً إلى ثمود فدعاهم فكذبوه ، فسألوا أن يأتيهم بآية ، فجاءهم بالناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم ، فاقروا بها جميعاً فكانت الناقة لها شرب فيوم تشرب فيه الماء نهر بين جبلين فيزحمانه ففيها أثرها حتى الساعة ، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحتلبوا اللبن فترويهم ويوم يشربون الماء لا تأتيهم ، وكان معها فصيل لها فقال لهم صالح : إنه يولد في شهركم هذا مولود يكون هلاككم على يديه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر ابن فأبى أن يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبله شيء ، وكان أبو العاشر أحمر أزرق ، فنبت نباتاً سريعاً ، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا : فغضب التسعة على صالح .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولا تمسوها بسوء } قال : لا تعقروها .