في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

33

ثم يختم المشهد بالنتيجة الكلية في إجمال يصور ما وراءه مما لحق بالظالمين الذين كانوا يكذبون بيوم الدين :

( فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ) . .

فلا معذرة منهم تقبل ولا يعتب عليهم أحد فيما فعلوه ، أو يطلب إليهم الاعتذار . فاليوم يوم العقاب لا يوم العتاب ! .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

ولما كان قوله تعالى :{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات }[ النساء : 173 ] في أشكالها من الآيات دالاً على أن هذه الدنيا دار العمل{[53499]} ، وأن{[53500]} دار الآخرة دار الجزاء ، وأن البرزخ هو{[53501]} حائل بينهما ، فلا يكون في واحدة منهما ما للأخرى ، سبب عن ذلك قوله : { فيومئذ } أي إذ تقوم الساعة ، وتقع هذه المقاولة { لا ينفع } {[53502]}أي نفعاً{[53503]} ما{[53504]} { الذين ظلموا } أي وضعوا الأمور في غير مواضعها { معذرتهم } وهي ما تثبت عذرهم ، وهو إيساغ الحيلة في وجه يزيل ما ظهر من التقصير لأنهم{[53505]} لا عذر لهم وإن بالغوا في إثباته ، والعبارة شديدة جداً من حيث كانت تعطي أن من وقع منه ظلم ما يوماً ما كان هذا حاله ، وهي تدل على أنه تكون منهم معاذير{[53506]} ، وترقق كثير ، وتذلل كبير ، فلا يقبل منه شيء - {[53507]}هذا على قراءة الجماعة بتأنيث الفعل وهي{[53508]} أبلغ من قراءة الكوفيين بتذكيره بتأويل العذر ، لأنه إذا لم ينفع الاعتذار الكثير لم ينفع القليل الذي{[53509]} دل عليه{[53510]} المجرد ولا عكس ، ويمكن أن تكون قراءة الجمهور{[53511]} متوجهة للكفرة و{[53512]} قراءة الكوفيين للعصاة من المؤمنين ، فإن منهم من ينفعه الاعتذار فيعفى عنه ، ويشهد لهذا ما ورد في آخر أهل النار خروجاً منها{[53513]} أنه يسأل في صرف وجهه عنها{[53514]} ويعاهد ربه سبحانه أنه لا{[53515]} يسأله غير ذلك ، فإذا صرفه {[53516]}عن ذلك{[53517]} رأى شجرة عظيمة فيسأل أن يقدمه إلى ظلها فيقول الله : ألست أعطيت العهود{[53518]} والمواثيق أن لا تسال{[53519]} ؟ فيقول : بلى ! يارب ! ولكن لا أكون أشقى خلقك{[53520]} - الحديث{[53521]} ، وفيه " وربه يعذره " فهذا قد قبل عذره في الجملة ، ولا يطلب منه أن يزيل العتب{[53522]} لأن ذلك لا يمكن إلا بالعمل ، وقد فات محله ، فأتت المغفرة من وراء ذلك كله .

ولما كان العتاب من سنة الأحباب قال : { ولا هم } أي الذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها { يستعتبون* } أي يطلب منهم {[53523]}ظاهراً أوباطناً بتلويح أو تصريح{[53524]} أن يزيلوا ما وقعوا فيه مما{[53525]} يوجب العتب ، وهو الموجدة{[53526]} عن تقصير يقع فيه المعتوب ، لأن ذلك لا يكون إلا بالطاعة وقد فات محلها بكشف الغطاء لفوات الدار التي تنفع فيها الطاعات لكونها إيماناً بالغيب ، والعبارة تدل على أن المؤمنين{[53527]} يعاتبون عتاباً يلذذهم .


[53499]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الملك.
[53500]:زيد من ظ وم ومد.
[53501]:سقط من ظ وم ومد.
[53502]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53503]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53504]:زيد من ظ ومد.
[53505]:في ظ ومد: لأنه، والعبارة من هنا بما فيها هذه الكلمة ساقطة في م إلى "في إثباته".
[53506]:في ظ: مقادير.
[53507]:العبارة من هنا إلى "وراء ذلك كله" ص 134 س 2 ساقطة من م.
[53508]:في ظ: هو.
[53509]:زيد من ظ ومد.
[53510]:من ظ ومد، وفي الأصل: علمه.
[53511]:راجع نثر المرجان 5/316.
[53512]:في ظ: في.
[53513]:زيد من ظ ومد.
[53514]:زيد من ظ ومد.
[53515]:زيد من ظ ومد.
[53516]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53517]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53518]:من ظ ومد، وفي الأصل: اليهود.
[53519]:زيد من ظ ومد.
[53520]:زيدت الواو في ظ ومد.
[53521]:رواه البخاري في العديد من مناسباته ومسلم في أبواب الإيمان.
[53522]:في ظ ومد: المعتب.
[53523]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53524]:سقط ما بين الرقمين من م.
[53525]:في ظ: ما.
[53526]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الموجودة.
[53527]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المؤمنون.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (57)

قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ } إذا قام الناس من قبورهم وأقسم المجرمون أنهم لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور غير ساعة واصطنعوا لأنفسهم المعاذير في هذا الموقف العصيب فإن ذلك لا ينفعهم ولا يغنيهم ولا يرد عنهم ما حاق بهم من عذاب محتوم واصب .

قوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا يطلب منهم العتبى وهي الطاعة أو الرجوع إلى ما يرضي الله . يقال : استعتبني فأعتبته : أي استرضاني فأرضيته{[3628]} والمعنى : أن المجرمين الخاسرين يوم القيامة ، لا يطلب منهم الإعتاب وهو الرجوع إلى الدنيا للطاعة والتوبة عما فعلوه من المعاصي{[3629]} .


[3628]:تفسير ابن كثير ج 3 ص 440، وتفسير الرازي ج 25 ص 582.
[3629]:مختار الصحاح ص 410، والمعجم الوسيط ج 2 ص 582.